تعود الحركة شيئاً فشيئاً إلى المسار السياسي في اليمن، والمعطّل منذ أشهر، في ما قد يفتح الباب على العودة مجدداً إلى طاولة المفاوضات. يأتي ذلك في وقت يتصاعد فيه التوتر في مدينة عدن جنوب البلاد، مع عودة عمليات اغتيال الرموز السلفية إلى واجهة المشهد الأمني في المدينة. مشهد قد ينفتح خلال الأيام القليلة المقبلة على تطورات أكثر خطورة، ما لم تستطع قيادة «التحالف» إيجاد تسوية بين المتنازعين على النفوذ هناك.
وزير الخارجية البريطاني، بوريس جونسون، بدأ، يوم أمس، زيارة قصيرة للمنطقة، تشمل السعودية وعمان فقط، بهدف التباحث في سبل «إحراز تقدم نحو حل سياسي للصراع في اليمن»، بحسب ما ذكرت وزارة الخارجية البريطانية في حسابها على «تويتر». واستبق جونسون زيارته بالتشديد على أن «لسلطنة عمان والمملكة السعودية دوراً مهماً في المنطقة، وخصوصاً لإيجاد حل سياسي للأزمة في اليمن». وأشار إلى «(أنني) في اجتماعاتي خلال هذا الأسبوع، سأجدد التشديد على أن لا حل عسكرياً للصراع، بل إن محادثات السلام هي الحل الوحيد الطويل الأجل للشعب اليمني».
وتأتي زيارة جونسون للمنطقة بعد اجتماعه، يوم أمس، في سفارة بلاده بالعاصمة الفرنسية باريس، بنظرائه الأميركي، ريكس تيلرسون، والسعودي، عادل الجبير، والإماراتي، عبد الله بن زايد، في إطار الاجتماعات الدورية للجنة الرباعية بشأن اليمن. وبحسب مسؤول كبير في وزارة الخارجية الفرنسية، تناول الاجتماع «الأهداف المشتركة الحاسمة في اليمن، وهي قبل كل شيء دعم التدابير المتخذة في الأسابيع الأخيرة لتسهيل وصول المساعدات الإنسانية». ورأى المسؤول أن «هذا ما يسمح لنا بمعالجة الأهداف الأخرى»، المتمثلة في «إيجاد حل سياسي للنزاع، واستراتيجية تهدف إلى مواجهة النفوذ الإيراني في هذا البلد».
كذلك، تأتي زيارة المسؤول البريطاني في وقت أكد فيه الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، رسمياً، ترشيح البريطاني مارتن غريفيث لمنصب المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن، خلفاً لإسماعيل ولد الشيخ الذي أُعفي قبل يومين من منصبه. وأفاد دبلوماسيون أمميون بأن غوتيريش أطلع الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن على اقتراحه، مضيفين أنه يبحث حالياً الأمر مع الدول الخليجية.
وتوحي زيارة جونسون، مترافقة مع ترشيح غريفيث، بإمكانية أن تلعب بريطانيا في المرحلة المقبلة دوراً رئيسياً على خط الأزمة اليمنية، بعدما آلت الجهود الأميركية المبذولة على هذا الصعيد (خصوصاً إبان عهد الرئيس السابق باراك أوباما) إلى الفشل. ويعوّل كثيرون، في هذا الإطار، على خبرة غريفيث ومواقفه في احتمال حدوث انفراجة في أفق الأزمة في قادم الأيام.

اغتال مجهولون أحد رموز حركة «النهضة» السلفية في عدن
إذ يعتقد المبعوث المقترح اسمه، الذي سبق أن قاد حوارات بين حكومات ومعارضين في دول عدة في آسيا وأفريقيا، أن لا جدوى من العمل على عزل «أنصار الله»، لأن ذلك سيؤدي إلى تعنت الحركة في مواقفها، وأن لا مناص من «منح اليمنيين فرصة المشاركة السياسية وبناء يمن جديد». وإلى أبعد مِما تقدم يذهب بعض المحللين اليمنيين، معتبرين أن الإتيان بغريفيث، الذي تحمل جنسيته وسيرته الذاتية دلالات غير خافية، مكان ولد الشيخ المتخصص في الملفات الإغاثية والإنسانية، يعني أن ثمة إرادة دولية لإنهاء النزاع بحسب هؤلاء.
على خط موازٍ، وفي وقت يعلو فيه مستوى التوتر بين الأطراف المتنازعة في مدينة عدن جنوب اليمن، تتجدد عمليات اغتيال المشايخ السلفيين داخل المدينة، مُضاعِفةً المخاوف من تدهور الأوضاع الأمنية المهتزة أصلاً. واغتال مسلحون مجهولون، مساء أمس، القيادي في حركة «النهضة» السلفية، وإمام مسجد «الرحمة»، الشيخ عارف الصبيحي، في مديرية المنصورة. وأفادت مصادر محلية بأن الصبيحي تعرض لعدة طلقات نارية لدى خروجه من منزله، نُقل على إثرها إلى المستشفى الكوبي حيث فارق الحياة. ونعت حركة «النهضة» الصبيحي في بيان صادر عنها، مطالبة حكومة عبد ربه منصور هادي بـ«القيام بواجبها تجاه هذه الجرائم التي تطاول العلماء والدعاة في مدينة عدن والمحافظات المجاورة». وتأتي تصفية الصبيحي لتضيف حلقة جديدة إلى مسلسل دموي بدأ منذ أشهر، مستهدفاً الوجوه السلفية المناوئة للإمارات، أو حتى غير الموالية لها.
في غضون ذلك، سُجّل موقف تصعيدي حادّ لوزير الداخلية في حكومة هادي، أحمد الميسري، قال فيه: «(إننا) سنقف بكل حسم ضد كل من يريد أن يثير الفوضى والبلبلة في المحافظات المحررة»، داعياً «الشعب إلى عدم الانصياع لهذه الأصوات النشاز»، في إشارة إلى «المجلس الانتقالي الجنوبي» الذي بدأ، أمس، اجتماعات للتباحث في ما سماها «خطوات إسقاط حكومة أحمد عبيد بن دغر»، التي كان قد هدّد بها الأحد الماضي.