انضم رجل الأعمال السعودي، خالد بن عبد الله الملحم، إلى قائمة الشخصيات المفرَج عنها من سجن الحائر وفندق «الريتز كارلتون» اللذين زجت فيهما السلطات بشخصيات تتهمها بـ«الفساد»، مدعية أنها تسترجع منها أموالاً هي حق للدولة. يأتي ذلك في وقت لا تزال فيه قضية الأمير الوليد بن طلال عالقة، في ظل توارد أنباء عن رفض الأخير منح السلطات المبلغ الذي تطلبه، والذي تتراوح التقديرات بشأنه ما بين 6 و7 مليارات دولار.
وعلى الرغم من أن الوليد عرض «التبرع» للحكومة بمبلغ معين مقابل إعفائه من الاعتراف بالتهم الموجهة إليه، فإن السلطات لا تزال مصرة، على ما يبدو، على إخضاعه حتى تجريده من كامل ما تطلبه منه، من دون ضمان بـ«حفظ سمعته» في الوقت نفسه.
وأفادت مصادر، يوم أمس، بأن نائب رئيس البنك السعودي - البريطاني، خالد الملحم، أُطلق سراحه بعد توقيفه لأكثر من شهرين. ولم تتضح، على الفور، تفاصيل التسوية التي أدت إلى الافراج عن الملحم في ظل امتناع الجهات الحكومية عن التعليق، لكن نماذج عمليات الإفراج السابقة تؤشر إلى أن الملحم وافق، هو الآخر، على تسوية مالية مقابل إطلاق سراحه، شأنه شأن ما يزيد عن 20 آخرين عادوا إلى حياتهم الطبيعية دونما محاكمات، ما ينزع عن عمليات التوقيف والافراج تلك، المشروعية والمصداقية؛ كونها تبدو أقرب إلى الابتزاز منها إلى حملة جدية لـ«مكافحة الفساد».

يُعدّ نقل الوليد
إلى «الحائر» ضربة لمحاولاته مقاومة السلطات

وكان آخرَ من أُفرج عنهم، قبل الملحم، اثنان من أبناء الملك الراحل، عبد الله بن عبد العزيز، هما الحاكم السابق لمنطقة مكة، مشعل بن عبد الله، والرئيس السابق لهيئة «الهلال الأحمر» السعودية، فيصل بن عبد الله. ولم يتضح، عقب إطلاق سراحهما في أواخر شهر كانون الأول/ ديسمبر الماضي، ما إذا كانت هذه الخطوة جاءت كـ«جزء من تسوية»، أو «لنقص الأدلة» على حد تعبير وكالة «بلومبرغ»، ما يعني، بتعبير آخر، عدم توافر العُدّة المناسبة في حالتَي هاتين الشخصيتين لممارسة المساومة «غير المعمول بها على المستوى الدولي في قضايا الفساد».
وأياً يكن، فإن ما أُرغم عليه المفرج عنهم، ومن بينهم الأمير متعب بن عبد الله الذي دار الحديث عن تعرضه للضرب وسوء المعاملة، يعني بشكل أو بآخر إقرارهم بالتهم الموجهة إليهم. وهو ما يحاذره الوليد بن طلال حتى الآن، مبدياً إصراراً متزايداً على عدم تلطيخ سمعته بتهم «غسيل الأموال وتقديم الرشاوى وابتزاز المسؤولين» الملقاة عليه. إصرار لا يُعلم إلى أي مدى سيتمكن الملياردير السعودي، المقدرة ثروته بنحو 17 مليار دولار، من المراوحة في دائرته في ظل الضغوط التي تمارسها عليه السلطات، وإدارتها الأذن الطرشاء لأي مطالبات دولية بإطلاق سراحه.
وذكر مسؤول سعودي رفيع، يوم الأحد الماضي، أن رئيس مجلس إدارة شركة «المملكة القابضة» الاستثمارية ومالكها «عَرَض رقماً معيناً، ولكنه لا يتماشى مع الرقم المطلوب منه»، فيما أشار مصدر آخر إلى أن الوليد «عَرَض تقديم تبرع للحكومة، مع تفادي أي اعتراف بارتكاب أخطاء، وأن يقدم ذلك من أصول من اختياره، إلا أن الحكومة رفضت هذه الشروط». وما بين مطالب الحكومة وعروض الوليد، حُكي عن تعرض الأمير لعمليات تعذيب شملت التعليق رأساً على عقب والضرب، وذلك في سجن الحائر المعروف بأنه يضم متهمين بالانتماء إلى تنظيمي «القاعدة» و«داعش».
وعُدّ نقل الوليد، مع عشرات من المعتقلين الآخرين، من «الريتز» إلى «الحائر»، قبل أيام، «صفعة قوية» لجهود شخصيات دولية، وتحديداً فرنسية، سعت لدى ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، للإفراج عن الأمير الملياردير، على حد توصيف موقع «ستراتفور». كما يُعدّ نقل الوليد إلى «الحائر» بمثابة ضربة لمحاولاته مقاومة السلطات؛ بالنظر إلى تعاظم أدوات الضغط داخل ذلك السجن، والضرر المعنوي الذي يلحقه بنزلائه. هذه الضغوط ربما تحمل الأمير الوليد، في نهاية المطاف، على القبول بتسوية مالية تنهي قضيته وتعيده إلى الحرية، خصوصاً وأن الرجل - وعلى الرغم من كونه أغنى شخصية في الشرق الأوسط - يفتقر إلى الثقل السياسي الذي يتيح له هامشاً واسعاً من إمكانية المناورة.
لكن، في المقابل، كلما طال أمد مقاومة الوليد وجدت السلطات نفسها في موقع أضعف، على اعتبار أن تلك المقاومة تضاعف الشكوك حول الهدف من «حملة التطهير» التي أطلقها ابن سلمان في أوائل شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، وتضع ولي العهد وجهاً لوجه خيار المحاكمة الذي يتأكد، يوماً بعد يوم، أن الحديث عنه لم يكن إلا محاولة لذر الرماد في العيون، والتعمية على حقيقة الحملة التي تتخذ طابع «التطهير السياسي» و«التشليح المالي» المكشوف.
(الأخبار)