رام الله ــ الأخباررغم مرور نحو ثلاثة أشهر على توقيع اتفاق المصالحة بين حركتي «فتح» و«حماس» برعاية مصرية، لم يتعدّ الواقع العملي الإجراءات الأولى التي اتخذها الطرفان، فيما يقف الوسيط المصري موقف المتفرج من دون أي نية لتحميل المسؤولية لأحد. فبينما التزمت «حماس» حل «اللجنة الإدارية» لإدارة قطاع غزة كخطوة أولى، رأت الأطراف كافة أنها «جريئة وبنّاءة»، لا تزال السلطة الفلسطينية تطالب بالمزيد من التنازلات الحمساوية، تحت شعار واحد ردّده قياديو «فتح» والسلطة، والمتحدثون باسم الجانبين، كثابت من الثوابت على مدار المدة الماضية، وهو: «سلطة واحدة، قانون واحد وسلاح شرعي واحد».

هذا الثالوث، بما يمثله من تلميح إلى سلاح المقاومة بدرجة أولى، صار كلمة السر لموافقة «فتح» ومن ورائها السلطة على إتمام المصالحة، وهو في الوقت نفسه شعار يعيد المباحثات إلى المربع الأول: الصراع في الأصل بين برنامجين مختلفين، إذ لا يمكن أن يلتقي جسمٌ يرتبط باتفاقات كأوسلو، مع جسمٍ ينبذها ويتحلل من التزامات «الرباعية الدولية» (الاعتراف بإسرائيل، ونبذ العنف والمقاومة، واتباع مسار «منظمة التحرير» في التسوية).
بالنسبة إلى «فتح»، يعني مفهوم السلطة الواحدة سيطرة السلطة على جميع القطاعات السياسية والأمنية في غزة، أما القانون الواحد، فهو تطبيق القوانين المعمول بها في الضفة وما يتخللها من تعديلات، على القطاع، وبالنسبة إلى السلاح الشرعي الواحد، فهو أنه لا سلاح سوى لأجهزة أمن السلطة التي يرأسها محمود عباس. وتأكيداً لما سبق، أوضح المتحدث باسم أجهزة السلطة، اللواء عدنان الضميري، أن المطلوب هو «فرض الأمن في غزة كالضفة»، وأن تعمل الأجهزة الأمنية بالآلية نفسها في المكانين. وسبقه في ذلك المدير العام للشرطة حازم عطاالله، الذي أوضح في تشرين الثاني الماضي أن قواته يجب أن تفرض الأمن والنظام في غزة تماماً كما الضفة.

يمتلك عبّاس وحده قرار المصالحة وهو الآن يسيّرها ببطء

بجانب ذلك، لا تزال «فتح» تعمل بـ«روح انتقامية»، كما يرى مسؤولون في فصائل وقوى إسلامية ووطنية، فرغم أن ما فعلته «حماس» في احداث الانقسام لم يكن سهلاً بالنسبة إلى «فتح» قيادة ومؤيدين، فإن نجاح المصالحة يجب أن يعتمد على تجاوز ذلك من الجانبين. والواضح من السلوك الفتحاوي والسلطوي أن الهدف هو إقصاء «حماس» إلى الهامش، كي تسيطر السلطة على القيادة السياسية وأجهزة الأمن والعمل التنفيذي والقانوني.
لكن كيف تنظر «فتح» إلى المصالحة؟ أولاً، هي تقر بأن «حماس» لا تريد العودة إلى الحكم، وهي تراهن في ذلك على استخلاص ما يمكن من الأخيرة، كما أنه يجب التريث قبل العودة و«التورط» في غزة. وإن صار أن انفجرت القيادة الحمساوية قبل ذلك، في ظل وجود تيارات داخلها ترفض المصالحة، فإن هذا سيشكل دليلاً على وجهة النظر السابقة، ولن تكون السلطة قد تحملت مسؤوليات واسعة كما كان الوضع قبل عام 2006.
في الوقت نفسه، على «حماس» أن تكفّر عن خطيئتها، وألّا تحاول اللعب أمام الجمهور على وتر أن المسؤولية هي على السلطة، كما أنه لا رغبة فتحاوية في وجود نسيج حمساوي داخل المؤسسات الرسمية في غزة، ولا استعداد أيضاً لدفع مرتبات لهؤلاء الموظفين حتى لو أحيلوا على التقاعد.
وعملياً، يرأس وفد المصالحة عن «فتح» عضو لجنتها المركزية عزام الأحمد، كممثلٍ عن رئيس السلطة، فيما يتسلم النقاط الأمنية في المصالحة رئيس «المخابرات» ماجد فرج، ومعه رئيس «الشؤون المدنية» حسين الشيخ، وكلاهما ينسق مع إسرائيل. في الوقت نفسه، يقيم نائب رئيس الحكومة، زياد أبو عمرو، في غزة الذي هو منها في الأصل، مشرفاً على ملف «اللجنة الإدارية القانونية» لبحث شؤون موظفي حكومة «حماس» سابقاً وموظفي السلطة في القطاع.
ومن سوء حظ السلطة أن وجهت الولايات المتحدة إليها ضربة قوية تمس مشروعية بقائها، في وقت كانت فيه تستغل موقعها وعلاقتها للضغط على غزة، وخاصة أن القاهرة لا تستطيع أن تعلن يوماً أن رام الله هي المسؤولة عن إخفاق المصالحة. كما لا يغيب أن كلتا الحركتين جلست إلى الطاولة المصرية قسراً، في تمهيد للخطوات الأميركية اللاحقة كما تبين، وهذا النوع من التفاهمات قابل للانهيار، وخاصة في أي فرصة يشعر خلالها أي طرف بأنه غير محتاج إلى الآخر، في ظل أن الملفات الخلافية تبدأ من اليوميات، وصولاً إلى قضايا كبرى كالبرامج والأيديولوجيات والأمن.
من جهة أخرى، ينحصر قرار المصالحة داخل «فتح» بيد عبّاس وحده، نظراً إلى هيمنته المطلقة على قرار الحركة على الأصعدة كافة، وخاصة أنه القائد العام للأجهزة الأمنية والقوات العسكرية (قائد القوات المسلحة)، وهو رئيس السلطة، ورئيس «منظمة التحرير»، ورئيس لجنتها التنفيذية، ورئيس «فتح» أيضاً ولجنتها المركزية، ولا يوجد أي تيّار يعارضه داخل السلطة أو الحركة، ما يعني أن أي مجال لالتقاط المصالح من داخل الاثنتين مرهون بعباس، وهو ما أثبتته التجربة في سلوك كل من عزام الأحمد ورئيس الحكومة رامي الحمدالله.
ووسط تبادل الاتهامات في الأسابيع الأخيرة، رغم انشغال الجميع بالأزمة المتعلقة بالقدس، صار وضع غزة معلقاً، وخاصة أن الأزمات المعيشية مستمرة، وكذلك التحذيرات الدولية من عواقب ذلك، وسط شبح «إقفال الأونروا». وقال الأحمد، في تصريحٍ إذاعي قبل أيام، إن «حماس ليس لديها إرادة حقيقية لتنفيذ اتفاق المصالحة الذي وقّع في القاهرة، ووضعت العراقيل أمام حكومة الوفاق»، متهماً «حماس» بأن لها «حكومة موازية» تمارس مهماتها. وزادت على ذلك صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية، بنشرها تقويماً للمصالحة قبل أيام، قالت فيه إنها وصلت إلى «طريق مسدود لأن محمود عباس لا يرى أن المصالحة مع حماس ستعود بالفائدة عليه».