اعتمد سكان محافظة الرقة على شبكة الانترنت اللاسلكية المستوردة من تركيا، وتعمل عبر شحنها ببطاقات تركية بشكل شهري. وقد لاقت رواجاً كبيراً بسبب انقطاع شبكة الاتصالات الخلوية السورية وخدمة الانترنت عن محافظة الرقة، وحاجة الأهالي الملحّة للتواصل مع أبنائهم.
أما اليوم فلم يعد في وسع الأهالي التواصل مع العالم الخارجي إلا من خلال شبكة اتصالات تنظيم «داعش». بدأ التنظيم بتطبيق قراره القاضي بـ«إزالة نواشر شبكة الإنترنت (wi fi) من الأحياء والمنازل السكنية، بما فيها تلك الموجودة في منازل عناصر التنظيم، وحصر استخدام شبكة الإنترنت فقط في المحال المعتمدة والمُرخّصة من قبل التنظيم».
إضافة إلى تدمير طائرات التحالف الدولي كل الجسور التي تربط مدينة الرقة بريفها الشاسع، وبالتالي تقطيع أوصال المحافظة، شكّل قرار إيقاف خدمة الانترنت صفعة جديدة للأهالي؛ فشبكة الانترنت التي انتشرت في مختلف أنحاء المحافظة تعتبر وسيلة التواصل الوحيدة بين الأهالي وأبنائهم خارج الرقة.
يروي مواطن (رفض الكشف عن اسمه) لـ«الأخبار» أنه «اعتدنا أن ندفع الثمن في كل حرب تدور بين أي فصيلين مسلحين؛ أولادنا يعملون في تركيا ولبنان، ومنهم يدرسون في دمشق وحلب واللاذقية. فقدنا اليوم الطريقة الوحيدة للتواصل معهم، ربما يريدوننا أن نعتاد غيابهم».
«لا علاقة لنا بالأكراد (بعد تخوّف داعش من تواصل أبناء الرقة مع المسلحين الأكراد المتقدمين شمالاً) أو بغيرهم. فخار يكسر بعضو، همنا أن نبقى على تواصل مع أولادنا فقط، حتى هي استكثروها علينا، حسبنا الله ونعم الوكيل»، أضاف.
لم يشمل القرار عامة الناس فقط، بل عناصر التنظيم أيضاً. لم يعد في وسع قيادة التنظيم التكتّم على خلافات وحالات انشقاق حصلت داخله، وتمكن بعض عناصره من الفرار، وقُتل من كُشف أمره وفشل في الهرب. هذا الاختراق لا يتناسب مع سياسة التنظيم التي تمتاز بالسرية. وبما أن الانترنت هو طريقة التواصل الوحيدة بين الداخل والخارج، أصبح إيقافه ضرورة مُلحّة لا تحتمل التأجيل.

لغة «الرموز»

يحمل عناصر التنظيم التابعين لمكتب الاتصالات أجهزة كمبيوتر محمولة. يجولون على محال الاتصالات، ويستخدمون برامج معينة تمكّنهم من إيقاف أيّ رقم عن العمل، إذ معظم الأرقام المستخدمة تركية وعراقية مؤخراً، وفي مقدورهم إيقاف خدمة «واتس آب» عن أي رقم، والاطلاع على المحادثات، ثم إعادة تفعيل خط المشترك إن لم يثبت تورطه بعمل ضد التنظيم.

مع سقوط الرقة سُرقت معظم تجهيزات أبراج
شبكات الاتصالات

يقول عبد الرزاق، وهو مواطن من ريف الرقة لـ«الأخبار»: «سبق أن أوقفوا رقمي عن العمل أكثر من مرة. استدعاني أمير الاتصالات، وهو صديق قديم، وأخبرني أنه من أوقف رقمي للمراقبة، ثم أعاد تفعيله». «يا عبد الرزاق نحن نعرف كل شيء، لا يمكن أن تفعلوا شيئاً خارج نطاق علمنا ومعرفتنا، لذلك انتبه على نفسك»، قال له «الأمير».
تخضع الاتصالات الأرضية هي الأخرى للمراقبة الدقيقة، ويتم قطعها في مناطق مختلفة بين فترة وأخرى دون إنذار مسبق. لذا اعتاد الأهالي أن يتحدثوا بلغة الرموز حتى قبل سقوط الرقة، فما زالوا يذكرون قصة الفلاح الذي كان يتحدث مع ابنه عبر الهاتف، يسأله عن المكان الذي «سيفجره أولاً في الجزء الشرقي أو الغربي من الأرض»، ومع انتهاء المكالمة تم توقيفه، وبعد التحقيق معه في فرع الأمن العسكري آنذاك تم إخلاء سبيله بعد التأكد من أنه يتحدث عن سقاية الأرض، وتفجير الأرض في اللهجة المحلية الرقيّة يعبّر عن سقايتها بطريقة معينة.
تقول إحدى الأمهات: «وقت أريد أحكي مع بنتي المقيمة في ريف محافظة الرقة الشرقي، أسألها: شلون الجو عندكم، إن شاء الله ما في عجاج»، هذا في فصل الصيف، حيث يكثر الغبار الذي يُعرف محلياً بـ«العجاج»، أما في فصل الشتاء فتسألها «إن كان هناك أمطار أو لا». وهذه الكنايات تأتي تعبيراً عن وجود اشتباكات أو انتشار حواجز واعتقالات. لا يستطيع الناس حتى السؤال عن المعتقلين لدى عناصر التنظيم، فمن أراد أن يطمئن عن قريب له أو صديق عبر الحديث الهاتفي مع أهله، يسألهم: «رجع من السوق أو بعدو ما رجع».
تضيف امرأة أخرى: «ما نقدر نروح على مراكز الإنترنت التابعة للدولة، ما ناخذ راحتنا، يكون في مسلحين كثير، ويراقبون الناس إيش تحكي، ونخاف من قصف الطيران لتجمعاتهم ونحنا بالمركز، وكلنا أمرنا لله، مو طالع بيدنا شي».

اتصالات الرقة

بلغ عدد مشتركي الهاتف الأرضي في محافظة الرقة قبل سقوطها حوالى 95768 مشتركاً، ووصل عدد المراكز الآلية في المحافظة إلى 31 مركزاً، وكانت مؤسسة الاتصالات قد وقّعت عقوداً استثمارية مع شركة «سيمنز» Siemens الألمانية لتأمين ثلاثة ملايين خط هاتفي، بينما لا يتجاوز عدد سكان محافظة الرقة مليون نسمة.
تعرضت شبكة الاتصالات مع بدء الحرب للعديد من الأضرار، وكانت تنقطع الاتصالات الأرضية والخلوية والإنترنت لأشهر أحياناً، ريثما يتم إصلاح الأعطال التي كانت في معظمها خارج المحافظة. مع سقوط الرقة سُرقت معظم تجهيزات أبراج شبكات الاتصالات، ودمّرت طائرات «التحالف الدولي» برج الاتصالات الياباني الذي يؤمن خدمة الاتصالات الهاتفية لمراكز ريف الرقة الشرقي والبالغ عددها 11 مركزاً، إضافة إلى مراكز الريف الغربي وعددها تسعة مراكز، وخروج مركزين في الريف الشمالي عن الخدمة وبالتالي تضرّر نحو 50 ألف مواطن. يُذكر أن موظفي مؤسسة اتصالات الرقة لم يتركوا مواقع عملهم، بل كانوا يعملون تحت القصف على إصلاح الأعطال لضمان تأمين الاتصالات للمدنيين.