شهدت الساحة الإسرائيلية داخلياً خلال الأيام الماضية تطورين يشكل كل منهما تحدياً إضافياً لخيار التسوية وأنصاره، وللموقف الدولي الذي عارض موقف الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، خلال تصويت الأمم المتحدة الأخير، وأيضاً لمعسكر «الاعتدال» العربي الذي لا يزال يتمسك بأذيال التسوية حتى بعد إعلان ترامب. تمثل هذا التحدي في تصويت مركز حزب «الليكود» على فرض السيادة الإسرائيلية على المستوطنات كافة المقامة على أراضي الضفة المحتلة، وفي تصديق الكنيست (البرلمان) بالقراءتين الثانية والثالثة على قانون «القدس الموحدة»، الذي يحظر نقل أجزاء من القدس المحتلة في أي تسوية مستقبلية إلا بموافقة 80 عضو كنيست.
ينبغي ألّا تكون هذه الخطوات مفاجئة لأحد، فهي أتت في توقيت داخلي وتسووي ينطوي على أكثر من رسالة. وفي توقيت إقليمي يكشف عن رهانات وتقديرات ترى في البيئة الإقليمية والمرحلة التي تلت إعلان ترامب دافعاً وأرضية ملائمة للدفع بهذا المسار.
مع التنبيه إلى أن ما حدث هو تصويت داخل حزب «الليكود» وليس في الكنيست، تؤكد هذه الخطوة مرة أخرى مدى تمسك اليمين و«الليكود» بالضفة، والمكانة المتقدمة التي تحتلها في الفكر الصهيوني. في المقابل، رأت صحيفة «هآرتس» أن التصويت على ضم مستوطنات الضفة يشكل مؤشراً على بدء الاستعدادات في «الليكود» لمرحلة ما بعد بنيامين نتنياهو.

تستند الخطوة الإسرائيلية إلى الرهان على غياب أي
تداعيات سياسية

وبدا ذلك من حماسة وزراء الحزب للتصويت بما يخالف خطاب بار إيلان الذي أعلن فيه نتنياهو موافقته على مبدأ الدولة الفلسطينية بشروطه المعروفة، كما برز في دور الوزير السابق غدعون ساعر، ورئيس بلدية القدس، نير بركات، المرشحين لخلافة نتنياهو. في المقابل، يشكل القرار فرصة لـ«الليكود» من أجل تعزيز مكانته وسط المستوطنين مقابل منافسيه من معسكر اليمين، وعلى رأسهم «البيت اليهودي» الذي يقدم نفسه على أنه ممثل المستوطنين.
على المستوى الحزبي، يعتبر قرار مركز «الليكود» ملزماً لجميع ممثلي الحزب في الكنيست والحكومة، بالعمل من أجل دفع الاقتراح لسنّه كقانون. مع ذلك، تسود تقديرات بألا يتصرف نتنياهو وفق قرار المركز كجزء من تكتيكه السياسي وانسجاماً مع الرغبة الأميركية التي تفضل «كبح جماح البناء الاستيطاني» بعد إعلان ترامب القدس «عاصمة لإسرائيل».
ويرى العديد من الإعلاميين الإسرائيليين أن أصل موافقة نتنياهو على طرح القرار على جدول الأعمال يشكل رسالة مشجعة للناشطين في «الليكود» للاندفاع في هذا المسار، وخاصة أن هذا القرار لا يتعارض مع توجهاته بمنع إخلاء المستوطنات في أي تسوية سياسية مع السلطة الفلسطينية.
بات من نافلة القول إن حزب «الليكود» يرفض رسمياً أي تسوية تؤدي إلى إقامة أي صيغة من صيغ الدولة الفلسطينية. وهو ما يعني مباشرة أن اتفاق أوسلو الذي كان يفترض أن يكون اتفاقاً مرحلياً لم يكن في الواقع من منظور إسرائيلي إلا صيغة تجسد الحد الأقصى الذي يمكن أن «تقدمه» إسرائيل إلى أنصار خيار التسوية.
الرسالة الأخرى في تصويت «الليكود»، وقانون القدس الموحدة الذي قدمه حزب «البيت اليهودي» اليميني المتطرف، تتصل بالتنافس داخل المعسكر اليميني على الرأي العام. ويصح القول إن هذه الخطوات تشكل ذخراً لكل من الأطراف اليمينية يمكنها صرفه في أي انتخابات قريبة، وتحديداً بعد الضربات التي تلقاها «الليكود» في أعقاب اتهامات الفساد الموجهة إلى نتنياهو. وهكذا يصح القول إن الحزب قدم نفسه أمام جمهوره على أنه حزب مبدئي، والأمر نفسه ينسحب على «البيت اليهودي» الذي يحاول زعيمه نفتالي بينِت أن يقدم نفسه كزعيم بديل من نتنياهو، في معسكر اليمين.
رغم الخلفيات الأيديولوجية لقرار «الليكود»، مثل الكثير من المواقف، يبقى التفسير ناقصاً في حال مقاربته بمعزل عن السياقات السياسية القائمة. من هنا، من الصعب فصل هذه الخطوة، ومعها قانون القدس عن إعلان ترامب، إذ إنه يشكل امتداداً طبيعياً له، واستكمالاً لمخطط قطع الطريق على قيام الدولة الفلسطينية، حتى وفق سقف (رهانات) أوسلو.
وينبغي القول إن ما شجع «الليكود» على المبادرة إلى هذه الخطوة تقديراتهم التي استندوا فيها إلى ما رأوه من حراك مضاد ــ حتى الآن ــ في مواجهة إعلان ترامب، بغض النظر عما سيجري لاحقاً. وكما الحال مع إعلان ترامب، يستند تصديق الكنيست على قانون «القدس الموحدة»، ومعه تصويت «الليكود»، إلى تقديرات ورهانات بأن هذا الموقف لن يترتب عليه أي تداعيات سياسية سلبية تتصل بمستقبل التحالفات الإقليمية التي ينسجونها مع معسكر الاعتدال العربي، والعامل الأكثر حضوراً في خلفية هذه الخطوات خلاصة التجارب التاريخية التي ظهر فيها حجم الانبطاح العربي عبر التسليم بالوقائع التي نجح الصهاينة في فرضها.
الرسالة الأبرز في هذه المواقف الإسرائيلية غير المبالية بردود الفعل العربية تكمن في أنها تؤكد مرة أخرى غياب جدوى الرهان على فعالية المؤسسات الدولية (في أقل التعابير) لمواجهة العدوان الإسرائيلي، وخاصة أن هذه الخطوات أتت بعد تصويت الأمم المتحدة، التي عارضت فيها 128 دولة قرار ترامب، وعلى رأسها الدول الأوروبية وروسيا والصين. ويبدو أن إسرائيل أرادت أن توجه رسالة تحدٍّ مضادة، وهو ما يضع السلطة من جديد أمام تحدي الخيار البديل من فشل التسوية.