الأحكام الجنائية يجب أن تُبنى على الجزم واليقين من الواقع الذي يثبته الدليل المُعتبَر، ولا تُؤسَّس على الظن والاحتمال من الفروض والاعتبارات المجرّدة. هذه القاعدة القانونية يجمع عليها الفقه الجنائي القانوني، إلا أننا في البحرين نشهد، أخيراً، صدور أحكام بالإعدام عن القضاء العسكري، في قضية تُبنى على اعترافات مُنتزعة تحت التعذيب، ولا يساندها دليل آخر مادي أو قولي من شهود.
أضف إلى ذلك أن المجتمع البحريني لم يسمع أو يشهد محاولة اغتيال لوزير الدفاع البحريني، موضوع الاتهام الموجّه للمحكوم عليه الأول، الذي أدين بتهمة الشروع بالقتل وليس القتل، فيما وُجّهت إلى باقي المتهمين تهمة المساعدة والدعم والتحريض، من دون الشروع بالقتل.
تعذيب الإنسان جريمة تأباها الإنسانية والمجتمعات المتحضرة، وتجرّمها كل المواثيق الدولية والقوانين الجنائية لكل الدول، ومنها مملكة البحرين التي شدّدت قوانينها المحلية على تجريم التعذيب، إلا أن التعذيب ثابت على أجساد المتهمين (زوراً). ورغم كل ذلك، أصدرت المحكمة الكبرى العسكرية قراراً بتحويل الجلسات والدعوى إلى السرية؛ خوفاً من كشف حجم الانتهاكات التي تعرّض لها الضحايا، وخشيةً من اطلاع المنظمات الحقوقية ذات الصدقية على كيدية الدعوى التي خلت من الأدلة المادية والقطعية، واقتصرت على أقوال المتهمين أنفسهم، والتي انتُزعت بالصعق الكهربائي وشتى أنواع التعذيب التي لا تزال آثارها على أجساد الضحايا. كما أن المحكمة رفضت طلباً تقدمت به هيئة الدفاع بعرض المتهمين على طبيب شرعي مستقل ليتثبّت من آثار التعذيب.

المحكمة رفضت تسليم المحامين نسخة من ملف الدعوى



وعلى الرغم من أن من ضمانات المحاكمة العادلة أن يتمّ تمكين المتهم من الالتقاء بمحاميه، والحضور معه في جلسات التحقيق والاستجواب التي تسبق مرحلة المحاكمة، إلا أن المتهمين جميعاً حُرموا من هذا الحق. والأدهى من كل ذلك أن المحكمة رفضت تسليم المحامين نسخة من ملف الدعوى، ما جعل الأمر متعسّراً في إعداد الدفوع والمرافعات.
تقدّمت هيئة الدفاع بمرافعاتها عن المتهمين بصعوبة شاقة، بسبب عدم حصولهم على أوراق الدعوى. لكنها انصدمت بالحكم لعلمها بأن لائحة الاتهام لم تتضمن تهمة الشروع في القتل إلا للمتهم الأول، وأما باقي المتهمين فلم تُوجّه لهم إلا تهمة الدعم والتحريض للمتهم الأول وتأسيس خلية إرهابية. وبالنظر إلى طبيعة التهم التي وُجّهت للمحكوم عليهم، ووفقاً لقواعد النص الجزائي، فقد كان من المستبعد جداً أن يصدر حكم الإعدام على المتهم الأول، ناهيك عن بقية المتهمين؛ حيث إن قانون العقوبات البحريني لا يتضمن عقوبة الإعدام على الشروع بالقتل، ما دامت الجريمة غير تامة.
* مستشار قانوني بحريني