تبدّلت المعطيات لدى الجماعات المسلحة في مدينة الزبداني؛ فبعد أن كانت تُصرّ على خوض المواجهات مع وحدات الجيش السوري والمقاومة حتى النهاية، أصبح جزء كبير منها يبحث عن تسوية تخرجه من المأزق نتيجة إحكام الحصار على المدينة، بعد السيطرة على طريق بردى، الواقع في الجزء الجنوبي الغربي من سهل الزبداني، ليطبق بذلك الخناق على ما يعرف بالزبداني البلد، البالغة مساحتها نحو 10 كيلومترات مربعة، في حين بات معروفاً أن أهالي المنطقة توجهوا إلى بلودان ومضايا المجاورتين.
وبتاريخ 7 تموز، طلب المسلحون الموجودون في المدينة، والبالغ عددهم ما يقارب 1300 مسلح أغلبهم من «حركة أحرار الشام الإسلامية» و«كتائب الفرسان» و«الكتيبة الطبية»، من حزب «التضامن» التدخل بوساطة مع الدولة السورية، على اعتبار أن أمين عام حزب التضامن محمد أبو القاسم من أبناء الزبداني.
في البداية، كانت لائحة المطالب تشمل: وقف إطلاق النار دون قيد أو شرط، وتشكيل مجلس محلي من قبل الدولة والمعارضين، وتشكيل قوة تنفيذية مشتركة لحفظ الأمن من دون تسليم السلاح الثقيل، إدخال مساعدات إنسانية.
في هذا السياق، يوضح أبو القاسم، في حديث إلى «الأخبار»، أن حزب «التضامن» قبل الدخول في الوساطة ورفض الصيغة، إذ كانت الطلبات غير منطقية «ومن غير الوارد قبولها من الحكومة السورية، فمن المستحيل أن توافق على أن يكون هناك دولة ضمن الدولة».
ويشير أبو القاسم إلى أنّ الحزب طالب بأن يتم تفويضه أولاً، ومن ثم ضمان موافقة كل الفصائل الموجودة على الأرض، ويضيف: «في البداية كان عدد المسلحين الذين وافقوا على المبادرة 750، في حين رفضها ما يقارب 150 بسبب ارتباطهم بجهات أجنبية».
ويلفت أمين عام الحزب إلى أن أغلب المسلحين الموجودين في الزبداني هم من أبنائها، نافياً وجود تنظيمات متطرفة، إلا أنه يكشف عن تعرّضهم لضغوط من أجل مبايعة «جبهة النصرة»، الجناح الرسمي لتنظيم «القاعدة» في سوريا، ليصار بعد ذلك إلى دخول عناصر «الجبهة» إلى المدينة عن طريق الجبل الشرقي، ويكشف عن بنود المبادرة التي تقدم بها، والتي لاقت قبولاً من أغلب الفصائل المسلحة بشرط المصالحة والمسامحة، وتتضمن: «وقف إطلاق النار بكافة أشكاله، وإلغاء كافة الشعارات المناهضة للدولة ورفع العلم السوري، وتسليم السلاح الثقيل والمتوسط إلى السلطات الرسمية، تشكيل لجان توافقية غير مسلحة من الأهالي وبموافقة الدولة، وإعادة تأهيل البنية التحتية، والسماح بدخول المواد الغذائية، والسماح بعودة المدنيين من أبناء المدينة، وإجراء التسويات والمصالحات عن طريق الوسيط المتفق عليه، أي حزب التضامن، وفتح الطريق أمام من يريد الخروج من المطلوبين إلى الجبل الشرقي».
من وجهة نظر أبو القاسم، المصالحة في الزبداني يجب أن تكون مختلفة عن تلك التي حصلت في مناطق أخرى من دمشق، كمنطقة برزة أو المعضمية، حيث يجب أن تضمن عودة الأهالي إلى منازلهم لإعادة إعمارها، بالتزامن مع عودة الدولة بكامل مؤسساتها إلى المدينة.
على الرغم من هذه المعطيات، لا تبدو الأجواء مهيّأة لنجاح هذه المبادرة، بحسب ما تؤكد مصادر متابعة لـ«الأخبار»، حيث تشير إلى أن وحدات الجيش والمقاومة تحقق تقدماً نوعياً في المدينة، وعليه من الممكن أن يبقى باب التسويات مقفلاً إلى أن تحسم المعركة عسكرياً، ليصار بعدها إلى فتح المجال أمام مثل هذه الحلول، خصوصاً أنها ليست المرة الأولى التي تطرح مبادرات من هذا النوع.
وبسط الجيش والمقاومة السيطرة على سهل الزبداني الذي تبلغ مساحته 10 كلم مربع بعد إغلاق كامل منافذ الدخول والخروج إلى المدينة. ويتوزّع المسلحون في مساحة تبلغ 5 كلم مربع في الكتل العمرانية في قلب المدينة. وكان انتشار المسلحين قبل بدء العملية العسكرية ضمن مساحة 25 كلم مربع.