طوى العراق صفحة جديدة من حروبه الطويلة، بإنهاء سيطرة «داعش» على أي من البلدات أو المناطق. الإنجاز الذي بذل العراق لأجله تضحيات جسيمة، توّج أربع سنوات من الحرب ضد «داعش»، وسنواتٍ أخرى من الصراع مع أسلافه من التنظيمات المتطرفة، ليعود العراقيون إلى مواجهة تحديات البلاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية، التي تضاعفت خلال تلك الحرب.
إعلان النصر «الكامل» ونهاية المعارك ضد «داعش» أتى أول من أمس، على لسان رئيس الوزراء حيدر العبادي، عبر تأكيده سيطرة قوات بلاده على كامل الحدود العراقية ــ السورية. بدوره، أشار قائد الحملة العسكرية في غرب العراق عبد الأمير رشيد يار الله، إلى أن «قوات الجيش والحشد الشعبي أكملت تطهير المناطق الصحراوية بين محافظتي نينوى والأنبار... وبذلك تم إكمال تحرير الأراضي العراقية». وبرغم اندثار سيطرة التنظيم العسكرية في غرب العراق، فإن ذلك لن يحول دون وقوع عمليات أمنية من قبل خلايا تتبع للتنظيم في مدن مختلفة. وسيشكّل منع عودة «داعش» بشكل منظم، أحد أبرز التحديات في الأعوام القليلة المقبلة.
ومع أفول التنظيم من أرض العراق، ينتظر أن تتجه المعارك السياسية نحو مرحلة جديدة ومختلفة، مدفوعة بعدد كبير من التحديات التي أرهقت العراقيين، من دون إهمال الوجود العسكري الأميركي الكبير على الأرض، والذي يعدّ محل خلاف بين مكونات وازنة في المشهدين السياسي والعسكري. وفي تمهيد لمرحلة ما بعد حرب «داعش»، أعلن العبادي أن المعركة المقبلة ستكون ضد الفساد المستشري في البلاد، موضحاً أن «محاربة الفساد ستكون امتداداً طبيعياً» لعمليات التحرير. كذلك، فقد تضمن كلام العبادي رسائل مهمة لقراءة طبيعة المرحلة المقبلة، فقد أشار إلى أن «حصر السلاح بيد الدولة وسيادة القانون واحترامه، هما السبيل لبناء الدولة وتحقيق العدالة والمساواة والاستقرار». ودعا السياسيين إلى «الامتناع عن العودة إلى الخطاب التحريضي والطائفي الذي كان سبباً رئيسياً في المآسي الإنسانية وفي تمكينِ عصابة داعش من احتلال مدننا وتخريبها».

اعترضت الكتل البرلمانية
الكردية على عدم ذكر «البيشمركة» في «إعلان النصر»


ولمناسبة النصر، نظّم الجيش العراقي وسلاح الجو، أمس، استعراضاً عسكرياً في ساحة نصب «الجندي المجهول» وسط بغداد، بحضور العبادي ووزراء وقادة الأمن وأعضاء من البرلمان وممثلي البعثات الدبلوماسية. ورحب رئيس الوزراء خلال العرض بعائلات الشهداء من القوات المسلحة الذين سقطوا خلال المعارك ضد «داعش». ومع الاحتفالات التي عمّت العاصمة والموصل والبصرة وكربلاء والرمادي والفلوجة، وغيرها من مدن العراق، بدا لافتاً أن إقليم «كردستان» لم يشهد مظاهر احتفالية بإعلان النصر من بغداد، وسط انتقادات من بعض مسؤوليه وسياسييه، لعدم ذكر العبادي قوات «البيشمركة» الكردية في خطابه. وقال بيان مشترك لكتل الإقليم الكردية البرلمانية، وهي: «الحزب الديموقراطي الكردستاني» «الاتحاد الوطني الكردستاني»، «حركة التغيير»، «الاتحاد الإسلامي» و«الجماعة الإسلامية»: «استمعنا باهتمام للعبادي وهو يتلو خطاباً نيابة عنا جميعاً واحتفاءً بنصر العراقيين على عصابات الإرهاب والإجرام (داعش)... لكن انصدمنا مرة أخرى بسلوك رئيس الوزراء وهو يذكر كل أطياف المنظومة الأمنية العراقية، عدا قوات البيشمركة، والتي هي جزء من منظومة وزارة الدفاع». ودعت الكتل إلى «تصحيح واعتذار» عن هذا الموقف.
في المقابل، كان شكر «البيشمركة» حاضراً في تصريحات المبعوث الأميركي إلى «التحالف الدولي» بريت ماكغورك، الذي قال في سلسلة تغريدات عبر «تويتر»: «نحن نثمن تضحيات الشعب العراقي وقواته الأمنية وقوات البيشمركة الكردية ونحترم روح الوحدة في صفوفهم، التي جعلت هذا اليوم ممكناً، ونؤمن بأنه يجب تجديد هذه الروح واستمرارها». وخصص «التحالف» التهنئة «لرئيس الوزراء العبادي وآلاف العراقيين الذين حاربوا وضحّوا لأكثر من 3 سنوات ضد عدو شنيع ومريض»، معرباً عن «فخره بمواصلة دعمه لإزالة أي اثر متبقٍّ من داعش» و«منع عودة الإرهاب». ويبدو أن «الفخر» الأميركي بدعم القوات العراقية للنصر ضد «داعش» سيكون بداية مرحلة جديدة لتكريس وجودها في العراق، كما فعلت قبل 14 عاماً بالضبط، حين «فاخرت» باعتقال الرئيس العراقي السابق صدام حسين، في 13 كانون الأول عام 2003.
وبينما يرتقب عقد اجتماع للمانحين في شباط المقبل في الكويت، بهدف تقديم المساعدة لإعادة إعمار البلد، في عملية تقدر كلفتها بمئة مليار دولار، قال الخبير في شؤون الشرق الأوسط لدى معهد «إيريس» للشؤون الدولية والاستراتيجية في باريس، كريم بيطار، لوكالة «فرانس برس» إنه «لا يزال يتعين القيام بالكثير لتجفيف المصادر التي أتاحت بروز تنظيم (داعش)»، مضيفاً أن «الحروب الإقليمية بالوكالة وضعف الحكومات المركزية، لن تسمح في هذه المرحلة بقلب صفحة التطرف المسلح نهائياً». من جانبه، أشار الخبير في الشؤون العراقية والأستاذ في المعهد العالي للدراسات الدولية والتنمية في جنيف، محمد ولد محمدو، إلى أن «حل مشكلة تنظيم (داعش) ليس عسكريا فحسب... يضاف إلى ذلك أن عملية إعادة الإعمار ستكون في هذه الحالة اجتماعية أكثر منها مسألة بنى تحتية».
(الأخبار، أ ف ب، الأناضول)