431 داعشياً، غالبيتهم سعوديون أو «جزراويون» (نسبة إلى الجزيرة العربية) كما يحبون أن يعرّفوا، هو العدد الذي أذاعه المتحدث باسم وزارة الداخلية السعودية منصور التركي، الذي كشف عن أن الأمن السعودي نجح في إطاحة ما سمّاه «تنظيماً مكوناً من خلايا عنقودية»، وهو «يتبع تنظيم داعش ويدار من المناطق المضطربة في الخارج، ويهدف إلى إثارة الفتنة الطائفية وإشاعة الفوضى».
بيان وزارة الداخلية حمّل مسؤولية هذه الخلايا جلّ الاعتداءات التي وقعت في المملكة، من هجوم الدالوة، وإطلاق النار على عناصر الشرطة في شوارع العاصمة الرياض، إلى التفجيرين الانتحاريين في مسجدي القديح والدمام. خلية مكوّنة من 97 شخصاً هي المسؤولة عن هجوم الدالوة (3 تشرين الثاني 2014)، ألقي القبض على عناصرها مع عناصر أخرى تنشط وفق تكتيك «الذئب المنفرد». والخلية الثانية تتكون من 190 شخصاً ضالعين في الهجومين الانتحاريين على مسجدي القديح والعنود في الدمام شرق السعودية، وتوزعت مهماتهم بين الرصد وتصنيع الأحزمة الناسفة وتجهيز الانتحاريين.
أنواع أخرى من الخلايا تحدث عنها بيان «الداخلية»، إحداها كانت تسعى إلى إقامة معسكر تدريب في صحراء شرورة جنوب السعودية قرب الحدود مع اليمن، فيما اقتصر دور المجموعة الأكبر (144 شخصاً) على الدعاية لـ«داعش» عن طريق الإنترنت ومواقع التواصل، من بين هؤلاء من يقف وراء حساب «جليبيب الجزراوي» الذي نشر تهديداً بقتل الفنان السعودي ناصر القصبي على خلفية تعرضه لـ«داعش» في حلقتين من مسلسل سيلفي على قناة «MBC».
الطبق الأدسم في رواية الوزارة كان الإعلان عن النجاح في إحباط سلسلة من العمليات الإرهابية استباقاً، فقد كانت تخطط هذه الخلايا لعملية انتحارية في جامع مبنى قوات الطوارئ الخاصة، وهو المسجد الذي يرتاده عناصر الأمن السعودي ويتسع لثلاثة آلاف مصلٍّ، إلى جانب ستة مساجد في المنطقة الشرقية كانت مستهدفة وفق هذا المخطط. على أجندة هذه الخلايا، كان كذلك مقر بعثة دبلوماسية لم تكشف الداخلية السعودية عن الدولة التي تمثلها.
كريماً بدا النظام السعودي في عيديته التي قدمها، فاسترسل في تعداد إنجازاته الأمنية، واختار لذلك، وفق متابعين للشأن السعودي، موعداً مدروساً في ميزان حسابات داخلية وخارجية. لا يعني ذلك عدم صحة كثير من المعلومات والأرقام التي أذيع عنها، بل ليس ثمة ما هو مستهجن في إفرازات المملكة الوهابية لفكرها الأيديولوجي المتجذر، ولكن طريقة الإخراج والتوقيت، سجلت على نظام آل سعود الكثير.
فالمتحدث باسم الداخلية وصف بنفسه الخلايا الداعشية بالعنقودية، وأكد عدم ارتباط بعضها ببعض، فضلاً عن تأكيده أن ما تم نتاج عمليات تواصلت في الأسابيع الماضية. ما جرى، إذاً، هو تجميع الخلايا التي كانت تفرّخ من حين إلى آخر، وتقديمها في حدث إعلامي على درجة من الزخم، خاصة أنه لم يمض وقت طويل عن إعلان الرياض اكتشافها خلايا مماثلة. يدعم ذلك عملية الإخراج والفيلم الذي وزعته الوزارة، وتضمن صور الاقتحامات والمضبوطات، وبعض هويات الموقوفين.
الإعلان السعودي أعقب شريطاً بثّه تنظيم «داعش»، ظهر فيه عناصر سعوديون في التنظيم في سوريا وهم يتوجهون برسائل تحريضية للداخل. ربما أرادت الرياض إظهار يد طولى في وجه وهابييها المتمردين عليها، مع إدراكها حجم تأثير الخطاب الداعشي على بيئتها المتماهية مع هذا الفكر.
عموماً، يستفيد النظام السعودي ممّا تقدم، أما رسالته الأساسية، يؤكد متابعون، فأتت على صورة صرخة لأمراء آل سعود في وجه واشنطن لمرحلة ما بعد الاتفاق النووي مع إيران. يقول ولي العهد محمد بن نايف ومن خلفه أمراء آل سعود إنهم الشريك الضروري لباراك أوباما وإدارته في مكافحة الإرهاب.