قبل أيام قليلة على انطلاق الجولة الثامنة من محادثات جنيف السورية، يبدو المشهد المعارض جاهزاً لاستكمال نقاشات «السلال الأربع» التي تصدرت الجولات الماضية. فبعد تفاهم روسي ــ أميركي على قوننة «مكافحة الإرهاب»، وجهود دبلوماسية مكثّفة خلال الأشهر الماضية، حيّدت الدول الراعية للمعارضة، الشخصيات الخلافية التي سبق أن أعاقت التقدم على مسار الحل السياسي، لتخرج من الرياض بوفد معارض موحّد.
ويضم هذا الوفد، أعضاء قدامى في «هيئة التفاوض العليا» وممثلين عن «منصتي» موسكو والقاهرة، إلى جانب الشخصيات المستقلة، في حين يرأسه نصر الحريري، مجدداً. الإعلان عن النجاح في تشكيل الوفد المعارض تأخر يوماً كاملاً عن بيان اجتماع «الرياض 2» الختامي. وتخلل هذا اليوم خلافات حول تركيبة الوفد وآليات عمله خلال المحادثات المرتقبة، انتهت بتوافقٍ منَح «منصتي» موسكو والقاهرة 8 أعضاء من أصل 36 عضواً ضمن الوفد. وقال رئيس «منصة موسكو» قدري جميل، إن التوافق أتى بعدما التقى المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا، في موسكو، وتلقى منه «ضمانات بعدم السماح لأحد بالخروج عن قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 2254، ومنع الشروط المسبقة من أي طرف». ومن الممكن البناء على أن المبعوث الأممي تلقى تلك «الضمانات» بدوره، من باقي الأطراف المعارضة، أو الدول الراعية لها كالسعودية، لكونه رفض سابقاً تقديم أي التزامات مشابهة. وبرغم «التطمينات» حول التزام الجميع بمحادثات غير مشروطة، أصر عدد كبير من المشاركين في مؤتمر الرياض على الحديث عن ضرورة «رحيل الأسد»، مذكّرين بالبيان الختامي للمؤتمر. وقال عضو «الائتلاف» المعارض هشام مروة، لوكالة «فرانس برس»: «كان هناك سابقاً حديث عن قبول الأسد في المرحلة الانتقالية، ولكن نص البيان (الختامي) يتكلم عن عدم قبول هذا الأمر». وأضاف أنه «لا يوجد أي تنازلات، هذا الحديث جزء من حملة دعائية روّج لها النظام». وحول موقف الوفد الموحّد من مؤتمر «الحوار الوطني» في سوتشي، لم تعط عضو «الائتلاف» بسمة قضماني، خلال مؤتمر صحافي من الرياض أمس، موقفاً واضحاً ونهائياً منه. واكتفت بالقول: «لم يحدد موعد له، ولم تتضح لنا ملامحه ولا أهدافه. ولا نعلم ما هي مرجعية هذا المؤتمر».

أكد ترامب أنه
سيعمل على إنهاء «الفوضى التي ورثها» في الشرق الأوسط


وأتت زيارة دي ميستوراً لروسيا بعد حضوره افتتاح مؤتمر «الرياض 2»؛ للتأكيد على التزام موسكو بإنجاح جولة «جنيف» المقبلة، وتلقي «ضمانات» مقابلة منها بشأن استعداد دمشق للمضي قدماً نحو «تسوية سياسية». والتقى المبعوث الأممي كلاً من وزيري الدفاع والخارجية الروسيين. ودعا الوزير سيرغي لافروف، خلال اللقاء، إلى إطلاق «حوار (سوري) شامل... تحت رعاية مجلس الأمن الدولي»، مشدداً على أن جهود بلاده في هذا المسار تحظى بدعم تركيا وإيران. واعتبر أن إطلاق مؤتمر «الحوار الوطني» (المقرر عقده في سوتشي) سوف «يُسرّع» انطلاق مثل هذا الحوار. بدوره، شدد دي ميستورا على ضرورة «طي صفحة الماضي... والتعامل من الآن فصاعداً مع كل المسائل؛ في إطار المسار السياسي».
ومع تطوّر التنسيق الروسي ــ الأممي على مسار المحادثات بين الحكومة والمعارضة السورية، يظهر أن موسكو قطعت شوطاً كبيراً في احتواء الدور التركي في سوريا. فبعد توقيع أنقرة تعهدات في محادثات أستانا وسوتشي، خرج الرئيس رجب طيب أردوغان ليقول إن «ابواب السياسة مفتوحة دائماً وحتى آخر لحظة»، في معرض رده على سؤال صحافي عن وجود اتصال «مباشر أو غير مباشر» مع نظيره السوري بشار الأسد. وبرغم نفيه وجود هذا الاتصال حالياً، فقد ترك الباب مفتوحاً أمام قيامه، موضحاً أن «كل شيء يعتمد على الظروف. ومن غير المناسب قول (أبداً) بشكل عام». الموقف التركي «الليّن» تجاه دمشق، جاء مع ما نقله أردوغان عن نظيره الروسي فلاديمير بوتين، حول نظرة دمشق حيال «حزب الاتحاد الديموقراطي» و«وحدات حماية الشعب» الكردية. إذ قال إن الرئيس الأسد «لا يرغب» في مشاركة ممثليهم ضمن مؤتمر «الحوار الوطني» المرتقب. وشدّد على أهمية موقفي روسيا وإيران تجاه أي عملية عسكرية تسعى بلاده إلى تنفيذها في منطقة عفرين. وفي تفصيل لافت، ورداً على سؤال حول احتمال صياغة «دستور جديد» في سوريا وإجراء انتخابات، قال أردوغان: «الجميع يسعون إلى ذلك، وسوف يتم تداول كل هذه الأمور في المؤتمر. وعلى الرغم من أنّ الحديث لا يزال مبكراً عن مسألة الانتخابات، غير أن من الممكن أن تقام مراكز اقتراع في تركيا أيضاً من أجل السوريين المقيمين هنا».
وترافق هذا الموقف الذي يعبر عن تعاظم «الانزياح» التركي نحو موسكو وحلفائها، مع اتصال هاتفي بين أردوغان والرئيس الأميركي دونالد ترامب. وحمل الاتصال كما سابقيه من واشنطن، تطمينات بوقف الدعم العسكري المقدم إلى الأكراد في الشمال السوري، وفق ما أفاد وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو. ولفت الأخير إلى أن الرئيس التركي أبلغ ترامب بفحوى المباحثات التي جرت في سوتشي الروسية. وكان الرئيس الأميركي قد كتب في تغريدة صباح أمس: «سوف نتحدث إلى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان... حول تحقيق السلام في الفوضى التي ورثتها في الشرق الأوسط. سوف أسوّيها كلّها. ولكن ما هذا الخطأ هناك في المقام الأول! (الذي كلّف) في الأرواح والدولارات (6 تريليونات دولار)».
(الأخبار)