بغداد | انتظرت المحكمة الاتحادية العليا (أعلى سلطة قضائية في العراق) أكثر من شهرين للبتّ في عدم دستورية الاستفتاء على استقلال إقليم كردستان، الذي أُجري في 25 أيلول الماضي، لتقطع بذلك «شعرة معاوية» التي تمسّك بها الأكراد بشأن استفتائهم، على الرغم من المواقف التي أجمعت على رفض الاستفتاء.
وجاء قرار المحكمة، أمس، استكمالاً لـ«الأمر الولائي» الذي أصدرته في 18 أيلول، بإيقاف إجراءات الاستفتاء لحين البتّ بدستوريته بناءً على الدعاوى المقامة ضده، وهو ما رفضته أربيل وقرّرت المضي بإجرائه، ومنذ ذلك التاريخ أرجأت المحكمة لأكثر من مرة البتّ بدستورية الاستفتاء.
وقالت المحكمة في منطوق قرارها، بحسب بيان رسمي، إن «الاستفتاء الذي أجري في يوم 25/9/2017 في إقليم كردستان وفي المناطق الأخرى خارجه، ووفقاً للهدف الذي أجري من أجل تحقيقه وهو استقلال إقليم كردستان والمناطق الأخرى خارجه التي شُمِلَت بالاستفتاء، لا سند له من الدستور ومخالف لأحكامه... وقررت عدم دستورية الاستفتاء وإلغاء الآثار وكافة النتائج المترتبة عنه».
وأكدت المحكمة أن قرارها صدر استناداً إلى أحكام الفقرة (ثالثاً) من المادة (93) من الدستور، التي تنص على أن «الفصل في القضايا التي تنشأ عن تطبيق القوانين الاتحادية، والقرارات والأنظمة والتعليمات، والإجراءات الصادرة عن السلطة الاتحادية، ويكفل القانون حق كل من مجلس الوزراء، وذوي الشأن، من الأفراد وغيرهم، حق الطعن المباشر لدى المحكمة».
وفيما لم يُبدِ رئيس حكومة إقليم كردستان نجيرفان البرزاني، الذي عقد مؤتمراً صحافياً بعد نحو ساعتين من صدور الحكم عقب اجتماع لحكومته، موقفاً واضحاً من قرار المحكمة، وصف الحزب «الديموقراطي الكردستاني» بزعامة مسعود البرزاني القرار بـ«المسيّس».
البرزاني، الذي أكد في تصريحات سابقة أنه سيلتزم ما سيصدر عن المحكمة الاتحادية، قال إمس إن قرار الأخير بشأن عدم دستورية الاستفتاء «صدر من طرف واحد»، وأن الأكراد يريدون تطبيق كافة مواد الدستور، من دون أن يعلن التزامه من عدمه بالاستفتاء، مشيراً إلى أنه طالب واشنطن بـ«تفسير مواد الدستور».
من جهة أخرى، جدّد البرزاني، الذي ظهر إلى جانب العلمين العراقي والكردي، استعداده لـ«بدء الحوار مع بغداد»، مؤكداً أن «المشاكل العالقة يجب أن تجد طريقها للحل سياسياً، بعيداً عن الخيار العسكري». لكن على الجانب الحزبي بدا الموقف أكثر وضوحاً وصراحة، حين قالت النائبة عن «الحزب الديموقراطي» نجيبة نجيب إن «القرار صدر بتأثير سياسي»، وإن المحكمة الاتحادية لم تدرس قضية الاستفتاء من جوانبه كافة.
نجيب أكدت أن «الاستفتاء يمثّل إرادة شعب، وليس من حق المحكمة الاتحادية أو صلاحياتها إلغاء إرادة شعب»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد نص صريح في الدستور العراقي يمنع إجراء الاستفتاء».
لكن «الاتحاد الوطني الكردستاني»، حزب الرئيس الراحل جلال طالباني، بدا موقفه متحمّساً لقرار المحكمة، إذ أكد رئيس الكتلة النيابية التابعة للحزب اريز عبدالله التزام قرار المحكمة «لأن قراراتها تُعَدّ ملزمة للجميع»، داعياً حكومة «الإقليم» إلى الالتزام، ومذكّراً إياها بتعهّد سابق قطعته على نفسها بشأن التزام قرارات المحكمة.

فؤاد معصوم من الكويت:
القرار ملزم للجميع بغضّ النظر عن المواقف الفردية


أما في بغداد، فقد رحّبت حكومة رئيس الوزراء حيدر العبادي بالقرار، معتبرة إياه «معززاً لموقف الحكومة الدستوري في بسط السلطة الاتحادية، ورفض الاستفتاء وعدم التعامل معه». وقال مكتب العبادي، في بيان، إنه يدعو «الجميع إلى احترام الدستور، والعمل تحت سقفه في حل جميع المسائل الخلافية، وتجنّب اتخاذ أي خطوة مخالفة للدستور والقانون».
وفي السياق ذاته، أعلن رئيس الجمهورية فؤاد معصوم من الكويت، التي وصلها صباح أمس في زيارة رسمية هي الثانية لرئيس عراقي منذ 1990، أن القرار ملزم للجميع بغضّ النظر عن المواقف الفردية، في إشارة غير مباشرة لموقف حزب البرزاني. معصوم أكد أن «غالبية الذين كانوا مع الاستفتاء قد غيروا رأيهم، وامتثلوا لقرار المحكمة الاتحادية»، من دون أن يسمّي طرفاً أو شخصية، كاشفاً عن قرب زيارة وفد كردي لبغداد، لبحث الملفات العالقة.
في موازاة ذلك، علمت «الأخبار» أن بغداد تدرس التفاوض مع الأحزاب الكردية الأخرى، غير حزب البرزاني، إذا أصرّ الأخير على مواقفه. مصادر مقربة من الحكومة قالت لـ«الأخبار»، إن «بغداد ضاقت ذرعاً بممارسات حزب البرزاني ومواقفه، وبالتالي تتجه إلى عزله سياسياً». وأكدت المصادر أن الحكومة الاتحادية بدأت تتحرّك باتجاه بعض الأحزاب الكردية المؤثرة، وفي مقدمتها «الاتحاد الوطني والتغيير»، من أجل التفاوض معها على «الملفات المتعلّقة بمصلحة الشعب الكردي»، مشيرة إلى أن بغداد «لا تريد بقاء الأمور عالقة إلى الأبد، وأنها تسعى من وراء خطواتها تلك إلى تعرية حزب البرزاني وزيادة النقمة الشعبية عليه».