يواصل جيش العدو الإسرائيلي استعداداته على الحدود مع قطاع غزة، فيما يستمر القادة العسكريون بتوجيه الرسائل عبر تظهير هذه الجاهزية التي تقدم الجيش في موقع المتوثب الذي ينتظر أي حركة من الآخرين. ترجمة التحذيرات والرسائل التي وجهها رئيس حكومة العدو، بنيامين نتنياهو، وقبله يوآف مردخاي (راجع عدد أمس) على مستوى الإجراءات العملانية، تعكس مستوى الجدية التي تتعامل معها القيادة الإسرائيلية مع الإنذار الذي تلقته الأجهزة المختصة في الجيش بشأن رد محتمل، أو وشيك، من المقاومة الفلسطينية على اعتداء النفق الأخير.
مع ذلك، تهدف هذه الإجراءات (رفع مستوى الجاهزية وإنشاء منطقة عسكرية مغلقة وجلب أنظمة دفاعية إضافية) أيضاً إلى تفادي وقوع خسائر بشرية مؤلمة، وفي الوقت نفسه الاستعداد للرد على أي رد للمقاومة بما يتناسب. كما تأمل قيادة العدو، في ضوء ذلك، أن تساهم الرسائل الكلامية والإجراءات الميدانية في ثني حركة «الجهاد الإسلامي» عن قرار الرد على المجزرة بحق مقاوميها.
في السياق نفسه، لا يبعد أن يكون الاتصال الذي كشف عنه نتنياهو، مع الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، وقد كان في نهاية الأسبوع الماضي، يتصل مباشرة بقضية رد «الجهاد»، وخاصة أن نتنياهو وصف المحادثة بأنها «كانت مهمة لأمن الدولتين». وتكشف الرسائل المتعددة وعبر قنوات متنوعة أن القيادة السياسية في تل أبيب تحاول تكريس سقف لاعتداءاتها، تسلب بموجبه المقاومة الفلسطينية حق الرد، وتمنحها حق المبادرة على قاعدة الدفاع عن النفس!

الرسائل المضادة
التي وجّهها
مسؤولو «الجهاد» حاضرة في تل أبيب


في المقابل، علمت «الأخبار» من مصادر فلسطينية أن الاتصالات التي أجرتها القاهرة مع كل من «الجهاد الإسلامي» و«حماس»، وكذلك الاتصالات واللقاءات الفلسطينية الداخلية، أفضت إلى الاتفاق على تجنب الرد بإطلاق الصواريخ، لكنها لم تلغ حق «الجهاد» في الرد، وخاصة أن الأخيرة وفوق ما تفرضه الضرورة لجهة ردها على «مجزرة» بحق قادة وكوادر فيها، فإنها ترفض أن يرسخ الاحتلال قاعدة ردع يصير بموجبها قادراً على ضرب المقاومة في المرحلة المقبلة من دون أن يلقى رداً على ذلك.
وانسجاماً مع الخط العام الذي حدده نتنياهو، نقلت وسائل إعلامية إسرائيلية عن «مصدر رفيع في قيادة المنطقة الجنوبية» أنه «إذا حاول الجهاد الإسلامي أو أي منظمة أخرى في غزة تحدّينا، سنضرب حماس وباقي المنظمات بقوة». وتحاول تل أبيب بذلك أن تكرس «حماس» كمسؤولة عن أي تطور ميداني، حتى بعد اتفاق المصالحة الذي تسلمت بموجبه السلطة مسؤولياتها في القطاع. وأيضاً، تجعلها معنية في أي قرار تتخذه حركة «الجهاد»، على أمل أن يساهم ذلك في إرباك الساحة الفلسطينية وتحديداً العلاقات بين فصائل المقاومة، علماً بأن التنسيق بين الحركتين في هذا الملف تحديداً لا يزال قائماً، وتجمعان في بياناتهما على حق الرد.
وليس بعيداً عن الخطوات الميدانية والعملانية، تأتي رسائل التهديد التي وجهتها إسرائيل باستهداف قادة «الجهاد» في محاولة لرفع مستوى الضغوط على صناع القرار في الحركة، لكن الرسائل المضادة التي وجهها مسؤولو «الجهاد» بالرد خارج السقوف المفترضة بما قد يؤدي إلى التدحرج نحو مواجهة واسعة سيحضر قهراً على طاولة القرار في تل أبيب.
اشتباك الرسائل المتبادلة بين «الجهاد» وتل أبيب، الذي أعقب مجزرة النفق، أدى إلى نتيجة تبلورت معالمها منذ الآن، وهي أن أي رد مؤلم سيتجاوز في مفاعيله ودلالاته البعد العسكري المتصل بالخسائر البشرية والمادية التي سيلحقها بالعدو. في المقابل، إن امتناع «الجهاد»، الذي بات مستبعداًَ، سيترتب عليه تبلور معادلة ردع تكون فيها يد إسرائيل هي العليا التي ستطاول مفاعيلها مجمل الساحة الفلسطينية.
خطورة المحطة التي تمر بها الساحة الفلسطينية عامة، وفصائل المقاومة خاصة، أن الاعتبارات السياسية وغير السياسية التي كان يفترض نظرياً أن تكبح «الجهاد» عن الرد هي في مسار تصاعدي. فإذا ما شكلت المصالحة الفلسطينية عاملاً رادعاً وكابحاً للرد، فماذا سيكون مفعول انطلاق مفاوضات «صفقة القرن»، وماذا بعد تمريرها على حساب الشعب الفلسطيني. عندئذ ستبدو الجهاد وغيرها من فصائل المقاومة كعامل مربك ومعرقل لمخطط التسوية الذي يستهدف القضية الفلسطينية. وأي عملية مقاومة ينفذها عناصرهم، بل إن أي موقف معارض لهذه الصفقة سيصير محط إدانة لكل الأطراف العربية التي ستشارك في هذه الصفقة. وعلى هذه الخلفية، فإن الرسائل التي ينطوي عليها رد «الجهاد الإسلامي» أهم من أي خسائر يتلقاها العدو، وسيكتشف الأخير أن المفهوم الذي انطلق منه في تقدير قرار ارتكاب المجزرة كان منفصلاً عن حقيقة الواقع.
على الصعيد الميداني، سمحت الرقابة العسكرية الإسرائيلية بنشر خبر اكتشاف نفق هجومي من القطاع توغل في منطقة «كارميا» في مجلس إقليم ساحل عسقلان، وأن قوات لواء «ايغوز» الخاصة تعمل في المكان. كذلك، ذكر موقع صحيفة «هآرتس» أمس، أن قوات الاحتلال اتخذت عدة خطوات عسكرية في إسرائيل لرفع درجة التأهب تحسباً لهجمات انطلاقاً من القطاع. وبناء على ذلك، تقرر نشر بطاريات لمنظومة «القبة الحديدية» في أواسط فلسطين المحتلة، وعلى مشارف مدينة القدس المحتلة. أيضاً، ذكرت «القناة العاشرة» العبرية أنه أرسلت رسائل إلى «الجهاد الإسلامي» عبر «حماس» ومصر بضرورة تجنب الرد في هذه المرحلة.
إلى ذلك، استنكرت «الجهاد الإسلامي» اعتقال قوات الاحتلال القيادي في الحركة، طارق قعدان، من مدينة جنين شمال الضفة المحتلة، قائلة إن هذا الاعتقال يأتي ضمن تنفيذ الاحتلال تهديداته لقيادات «الجهاد». وكان قعدان قد خرج من سجون الاحتلال قبل أشهر، بعدما أمضى في الاعتقال أكثر من 15 سنة، وهو من مواليد 1972.
(الأخبار)