في الوقت الذي تشهد فيه جبهات الشرق السوري تحضيرات كبيرة للعمليات المرتقبة نحو مدينة البوكمال الحدودية ضد «داعش»، ويتقدم الجيش في ريف حماة الشمالي الشرقي على حساب «هيئة تحرير الشام»، عادت دمشق لتؤكد أن حربها ضد الإرهاب مستمرة حتى استعادة السيطرة على كامل الأراضي السورية.
الكلام هذه المرة جاء على لسان الرئيس بشار الأسد، خلال لقائه عدداً من الشخصيات المشاركة في مؤتمر «الواقع العربي بعد مئة عام على وعد بلفور»، الذي استضافته دمشق. الأسد أكد لزوّاره أن «الحرب في مواجهة الإرهاب حققت 80 في المئة من أهدافها، لكن الـ 20 في المئة الباقية قد تكون الأصعب، وخاصة في محافظة إدلب، حيث تواجه سوريا قوات الاحتلال التركي والمجموعات المسلحة التي يقودها فرع القاعدة في بلاد الشام». وقال إن سوريا «لا تؤمن بأي حوار مع الإرهابيين، وإنها متمسكة بسلطتها المركزية المطلقة على كامل الأراضي السورية».
وفي هذا السياق، ورداً على سؤال حول مصير المناطق الواقعة تحت سيطرة الأكراد والنفوذ الأميركي، قال الأسد إن «أي وجود عسكري خلافاً لإرادة الحكومة السورية هو احتلال، وسوريا تتعامل معه على أنه احتلال»، مشدداً على أنه «لا مجال لأي تقسيم في سوريا، أو فرض هويات أخرى عليها... فهويتها عربية».

أشارت واشنطن إلى سعيها لنقل مخرجات «أستانا» إلى «جنيف»

ولفت إلى «خطورة الموقف في الجنوب حيث يتعاظم النفوذ الإسرائيلي، أو في الشمال حيث يتعاظم النفوذ التركي»، قائلاً إن «الدولة السورية مسؤولة عن إدارة البرامج التي تعيد جميع المواطنين إلى حضن الدولة».
وجدد انتقاداته لـ«الإخوان المسلمين»، بما في ذلك حركة «حماس»، مضيفاً في الوقت نفسه أن بلاده سوف «تظل إلى جانب حركات المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي أينما وجد»، وأنها تقود محور المقاومة في المنطقة. وأشاد بالتضحيات التي يقدمها حزب الله في سوريا، منوّهاً بـ«التحالف الوثيق» الذي يربط دمشق وموسكو، بالقول إن «موسكو حليف صادق، وتتميز بأنها عندما تفكر بأمر ما، أو اقتراح ما، تأتي وتعرضه علينا، وفي حال وجدنا أنه يتعارض مع مصالحنا، تسارع (موسكو) إلى تبني موقفنا بالكامل». ووجه انتقاداته بالتوازي إلى دول الخليج العربي «التي تآمرت على الشعب السوري»، مشيراً إلى الإمكانيات والقدرات المتواضعة لتلك الدول، في التأثير على ملفات المنطقة بما فيها الملف السوري.
ويأتي كلام الأسد في وقت يعمل فيه الجيش السوري على تثبيت النقاط الجديدة التي سيطر عليها وحلفاءه، على الحدود مع العراق. ولم تشهد تلك الجبهة تغيرات ميدانية في السيطرة أمس، في انتظار استكمال الاستعدادات للتحرك خلال اليومين المقبلين. وتحركت تعزيزات عسكرية كبيرة خلال الساعات الماضية نحو جبهات الشرق، فيما استمرت الغارات الجوية على مواقع التنظيم على طول وادي نهر الفرات، بين الميادين والبوكمال. وبرغم اقتراب المعارك من المعقل الأخير لتنظيم «داعش» على الحدود العراقية، فقد حاول الأخير إشغال الجيش عبر هجمات منسقة في شرق السخنة والمنطقة المحصورة بين حقل التيم والشولا، غير أن الجيش تمكن من امتصاص كل تلك الهجمات، وانتهت من دون تحقيق أي اختراق.
وعلى الجانب الآخر من نهر الفرات، تابعت «قوات سوريا الديموقراطية» تحركها في بلدات وادي نهر الخابور، وسيطرت على غالبية القرى بين بلدة الصور وأطراف ناحية البصيرة. وحاولت «قسد» أمس، دخول الناحية المحاصرة، التي تقع على ملتقى نهري الخابور والفرات. والتي بقيت وبلدة السبخة، آخر المواقع التي يسيطر عليها التنظيم غرب الخابور. وكانت «قسد» قد قطعت الطريق أمام القوات السورية المتقدمة نحو بلدة جديد عكيدات، شمال الفرات، وذلك لمنعها من السيطرة على مركز ناحية إضافي شمال النهر، إلى جانب ناحية خشام. وشكّل التنافس بين الجيش السوري و«قسد» للسيطرة على مراكز النواحي والبلدات الكبيرة المأهولة، واحداً من ملفات العمل الميداني. وتجلّت نتائجه في الخطوات الإدارية العملية التي بدأت دمشق في تنفيذها، والتي تمثلت في نقل مراكز الخدمات الإدارية نحو النواحي (كما معدان) في ريف الرقة الجنوبي، عوضاً عن مركز المحافظة الذي يسيطر عليه «قسد». وفي سياق متصل، أعلنت الأخيرة أنها سمحت لعدد من سكان حي المشلب في الرقة، بدخول حيّهم بموجب تصاريح دخول، وبعد موافقتهم على تعهد بمسؤوليتهم الشخصية عن أمنهم وعن التعاون مع السلطات الأمنية في المدينة.
وفي موازاة التحضير لخوض «معارك الحدود» الأخيرة، يتابع الجيش عملياته في ريف حماة الشمالي، شمال منطقة السعن. وتمكن أمس، من السيطرة على قرية سرحا الشمالية، فيما تستمر الاشتباكات مع مسلحي «هيئة تحرير الشام» جنوب البلدة. التحرك الشامل للجيش يتسق مع ما أوضحه وزير الخارجية السوري وليد المعلم، أمس، خلال استقباله مستشار المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية في إيران، علي أكبر ولايتي، في دمشق. إذ أكد المعلم أن بلاده «ماضية في حربها على الإرهاب التكفيري ومن يدعمه» على كل الأراضي السورية «حتى تحقيق النصر»، معرباً عن تقديره للدعم الكبير الذي تقدمه إيران في هذا السياق.
وفي سياق منفصل، وعقب التصريحات الأميركية الأخيرة التي تحدثت عن «نهاية حكم» الرئيس بشار الأسد، أعرب وزير الدفاع الأميركي جايمس ماتيس، أمس، عن دعم بلاده للجهود الأممية في جنيف والتي سارت بشكل متواز مع عملية محادثات أستانا. وقال في حديث أدلى به إلى الصحافيين، قبيل وصوله لإجراء محادثات في فنلندا، إن بلاده «تحاول وضع الأمور على السكة الدبلوماسية، لتتضح الصورة ونتأكد بأن الأقليات، أيّاً كانت، لن تتعرض لما رأيناه» سابقاً. وأضاف أن وزير الخارجية الأميركي ريكس «تيلرسون تناقش كثيراً مع (المبعوث الأممي إلى سوريا) ستيفان دي ميستورا، حول إمكانية وكيفية نقل ما يحدث في أستانا إلى جنيف، حتى يتسنى لنا بالفعل إشراك الأمم المتحدة في سبيل المضي قدماً». ولفت إلى أن التقييمات الاستخبارية المبنية في الأساس على عدد مقاتلي «داعش» الذين «استسلموا أو انشقوا أو أصيبوا»، تظهر أن «أسفل (الهرم) كله يفرّ». ورفض التعليق عما إذا كانت بلاده سوف تستعيد الأسلحة التي منحتها لـ«وحدات حماية الشعب» بعد هزيمة «داعش»، في ضوء الحساسية التركية تجاه هذه النقطة.
على صعيد متصل، جدد وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، التأكيد على ضرورة أن يكون مؤتمر «الحوار الوطني» السوري، والذي تعمل موسكو لعقده في سوتشي، شاملاً، مضيفاً في الوقت نفسه أن ذلك لا يعني «إشراك التنظيمات الإرهابية» فيه، في إشارة إلى «حزب الاتحاد الديموقراطي» الكردي. ورأى أن المعارك في الرقة كشفت غياب أي فرق بينه وبين «حزب العمال الكردستاني».
(الأخبار)