القاهرة | منذ عام تقريباً، بدأ انعقاد مؤتمرات الشباب في مصر. وعلى مدار عام ماضٍ باتت هذه المؤتمرات أو اللقاءات أقرب إلى «شو إعلامي» منها إلى مؤتمرات تختص بمناقشة الشباب في قضاياهم وإشراكهم في مستقبل البلاد.عقد المؤتمر الأول في شرم الشيخ، والثاني في أسوان، والثالث في الإسماعيلية، ثم الرابع كان في الإسكندرية، وها هي مصر الآن على موعد المؤتمر الخامس الذي ينطلق غداً، بعنوان «منتدى شباب العالم».

هذه المرة تحتضن شرم الشيخ فعاليات المؤتمر الذي يستمر حتى العاشر من الشهر الجاري، بمشاركة أكثر من 2500 شاب من 110 دول. ورأى البعض أن هذه المؤتمرات جاءت لكي تفتح صفحة جديدة بين شباب مصر ونظامها بعد معركة «تيران وصنافير» التي دخل السجن على إثرها عدد من الشبان والشابات. ويعزز هذه الفرضية أن ضيوف المؤتمر هم بالفعل من الشباب، وكذلك جزء كبير من المتحدثين فيه، كما أن الإعلاميين الذين يغطّون الحدث وجلساته الرئيسية هم ممن يعرفون في مصر الآن بمجموعة «شباب الإعلاميين». لكن السؤال هل هؤلاء الشباب ــ لا نعني الإعلاميين بالطبع ــ يشاركون في المؤتمر لأن لديهم آراءً وخططاً بعينها إزاء مشاكل مصر أم لأنهم من مؤيدي الرئيس؟ وهل تأتي هذه المؤتمرات لحلّ مشاكل مصر فعلياً أم لتجميل صورة النظام التي تتضرر يومياً بفعل الغلاء وتقييد الحريات والضغط على الصحافة وغيرها من السلوكيات التي تسبّبت في انتقادات محلية ودولية له؟
ما يؤكد أيضاً أن هذه المؤتمرات تشغل الرأي العام والإعلام من دون جدوى حقيقية منها، هو النظر مثلاً إلى توصيات المؤتمر الأول، التي تمحورت حول وصول الدعم إلى مستحقيه وأهمية مشاركة الشباب في انتخابات المحليات، وهو ما لم يتحقق بعد. فالانتخابات المحلّية مؤجلة حتى مع اقتراب فترة السيسي من الانتهاء، ومع العلم بأن «المحليات» هي فرصة الشباب الحقيقية لشغل مناصب تخدم فعلياً البلد بعيداً عن قاعات المؤتمرات. هذا من دون ذكر أن توصيات المؤتمر الأول تضمنت مناقشة عودة الجماهير إلى الملاعب والنهوض بسيناء (!)، وهي كلها أمور لم تحدث، وإن عادت الجماهير في مباريات المنتخب لكن الدوري العام مبارياته لا تزال بلا جمهور. كذلك فإن «النهوض بسيناء» من المبكر جداً الحديث عنه فيما المحافظة لم تتخلص من الإرهاب بعد.

إن الوجوه المشاركة في المؤتمرات
منتقاة بعناية
من مؤيّدي الرئيس


وكان من توصيات المؤتمر الذي عقد في محافظة أسوان، إعادة مناقشة قانون الجمعيات الأهلية في مجلس النواب، والذي يقيد حرية عمل المجتمع المدني في مصر، وهو ما لم يحصل، إضافة إلى وضع استراتيجية لتصويب الخطاب الديني، وهذا أمر تبتعد مصر عنه يومياً، وأصبح نكتة على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد قرارات سعودية أخيرة اتخذت في هذا الشأن.
كذلك، إن الوجوه التي حضرت في هذه المؤتمرات، كما يقال في مصر هي كلّها «على الفرّازة»، أي إنها منتقاة بعناية من مؤيدي الرئيس، سواء من الشباب أو الكبار. وما حدث مثلاً مع استضافة الصحافي المعارض لسياسات النظام إبراهيم عيسى، مثّل استثناءً لمرة واحدة في هذه المؤتمرات، حينما عقد المؤتمر الأول في شرم الشيخ في شهر تشرين الأول/أكتوبر من العام الماضي. أما بعدما هاجم عيسى التضييق على الحريات وطالب بالإفراج عن المحبوسين، لم يظهر مرة أخرى في هذه المؤتمرات.
مع انطلاق المؤتمر الخامس للشباب برعاية من الرئيس السيسي، بات معروفاً أن المشاريع التي يتم الانتهاء منها في الفترات التي تنحصر بين مؤتمرين ستُعرض في المؤتمر المقبل للتدليل على «التقدم الذي تشهده مصر»، مع العلم بأن الرئيس اعترف بنفسه مؤخراً بأنها «دولة بلا تعليم ولا صحة ولا سكن». فلماذا إذاً تُعقد مؤتمرات الشباب؟