لا يكترث الرئيس اليمني المستقيل، عبد ربه منصور هادي، للتدمير المنهجي الذي أصاب دولته في المحافظات التي يتغنى بها هو وحكومته بأنها محررة. ومع سكوته وحكومته على الحالة التي وصلت إليها مناطقهم، يبرهنون على السقوط المريع للمبادئ التي تنشأ من أجلها الدول وتبنى لها الأوطان. هادي ذو الأصول الجنوبية (أبين)، أصبح خارجاً عن التغطية نهائياً، فالرجل فقد القدرة على مسك إدارة البلد.
والمصلحة السعودية ــ الإماراتية المشتركة أقوى من أن يقف في وجهها رئيس مرهون مثله. وليس خافياً أن بقاءه مستمد فقط من الحاجة إليه في صبغ الشرعية على العدوان الذي يشنه «التحالف» على بلده. وبإعلان ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، استمرار الحرب في اليمن ورفضه وجود «حزب الله» آخر على حدوده الجنوبية، تكون قد انكشفت آخر أوراق ما يسمى الشرعية، وحصر بقاؤها في مجال العلاقات العامة والتمثيل الدبلوماسي فقط.
في غضون ذلك، لم تتوقف الاتهامات بين أطراف الشرعية، بل لاحقت الاتهامات المتبادلة محافظ عدن، عبد العزيز المفلحي، الموجود في الخارج، لعجزه عن السيطرة على مبنى المحافظة، إذ اتهم رئيس حكومته، أحمد بن دغر، بالتصرف بملغ خمسة مليارات ريال يمني من دون معرفة وجهة الصرف، فما كان من بن دغر إلا أن وجّه الثلاثاء الماضي، وكيل أول محافظة عدن، أحمد سالم ربيع، بإدارة شؤون المحافظة، وتقليص صلاحيات المفلحي. لكن إدارة ربيع لم تحل الإشكالية بسبب منعه من الوصول إلى مبنى المحافظة التي تسيطر عليها قوات تابعة لرئيس «المجلس الانتقالي»، عيدروس الزبيدي، المحسوب على الإمارات.
كذلك، يستمر الجنوب اليمني في العيش في ظل فقدان تام للمظلة الأمنية والاقتصادية والخدماتية، وتستمر معاناة المواطنين وتزداد مع الأيام، في حين أن مسؤولي الشرعية معظهم خارج البلاد، و«المجلس الانتقالي» الجنوبي يعمل بالإيحاء الإماراتي ورضي بنفسه ورقة تستخدم حين حاجة أبو ظبي.
لم تكن الأطراف اليمنية المحسوبة على دول «التحالف» في الماضي أو الحاضر في علاقاتها البينية على ما يرام، بل إن تلك الاطراف أوشكت على الوقوع في الاقتتال الداخلي أكثر من مرة، ويتدخل «التحالف» باستمرار لوضع آليات تنسيقية بين الفصائل المتنازعة. فليست القضايا الوطنية أو تأمين الخدمات للناس وكيفية مقاربتها هي مورد النزاع، فالمكونات المحسوبة على التحالف تتفق على عنوان عريض هو السير مع العدوان، ولا يزال التحالف يؤمن لها مصالحها السياسية والشخصية، بل هم يزايدون على دول التحالف نفسها بالشتائم والتضليل والافتراء.
الخلاف الجاري كان قد بدأ منذ بداية الحرب بين الفصائل والمكونات المحسوبة على «التحالف»، ويتعزز يوماً بعد يوم على تقاسم المغانم والسلطة ونيل الحظوة. وقد حفلت وسائل الإعلام اليمني بالكثير من الشواهد على فساد السلطة والتحكم الطاغي من رجالاتها بإدارة شؤون الدولة، وهو يتهم مسؤولي الدولة بالنهب وتوظيف المحسوبين والأقارب واستغلال مواقعهم للتأثير في موارد الدولة التي أفرغت خزائنها، فيما زاد مسؤولو الدولة ثراء وغنى.
المحافظات الجنوبية تعاني الغياب شبه التام للمؤسسات الخدماتية والرعائية. ورغم النداءات المتكررة والاحتجاجات التي تصل إلى حد التهديد بالعصيان المدني، فإن أحداً من مسؤولي الدولة في عدن أو الرياض على السواء لم ترفّ لهم عين أو حتى يبدوا التعاطف مع الناس والوقوف إلى جانبهم.
وبدلاً من رفع الصوت في وجه دول «التحالف» (الغنية مالياً) لمطالبتها بالمساعدة في رفع الظلم والحيف عن الناس، يكيل هؤلاء المسؤولون المديح والثناء لدول «التحالف»، لأن بقاءهم في تلك المناصب مرهون بواجب تقديم الطاعة وتأكيده باستمرار، وقبول هذه الطاعة من «التحالف»، يستدعي العمل وفق الأجندة الخليجية التي ليس من ضمنها تأمين الخدمات للناس، وتشغيل المرافق الرئيسية في البلد. وهذا يستدعي أيضاً بالإضافة إلى مديح الدول المشاركة في الحرب على البلد، توجيه الشتائم وسوق الاتهامات إلى إيران، وهذه لازمة ضرورية من دونها يصبح وضع المسؤولين على المحك.
ليس هذا فحسب، إذ إن مجموعة من الشخصيات التي كانت على نقيض مع النظام السعودي وبقيت في صراع سياسي طويل معه، وقعت بفعل الإغراء في حضن السلطة وأصبح جل شغلها تبرير العدوان على البلد، والتعمية على مجازر التحالف البشعة بحق مواطنيه. وفي مسألة تردي الخدمات والمرافق الحيوية للبلد، يعمدون إلى تجهيل الفاعل، وفي أحسن الأحوال ترمى على الطرف المحلي الآخر. ونكتفي في هذا الإطار بمثال بارز: نائب رئيس الوزراء ووزير خارجية الحكومة عبد الملك المخلافي الناصري والقومي العربي، إذ دعا قبل ما يسمى «عاصفة الحزم» إلى ثورة شعبية ضد أسرة آل سعود. واتهم السعودية مراراً بالهيمنة والوصاية والرجعية والعبث في بلده، ليتحول بعد العدوان عن مبادئه ومواقفه السابقه إلى بوق قوي مؤيد للتدخل الخارجي على بلاده بدعوى بناء الدولة المدنية وتعزيز الديموقراطية في اليمن.