صنعاء | تتعمد الإمارات تحويل المعسكرات العسكرية إلى معتقلات كبيرة، نظراً إلى أنّ المعسكرات تحتوي عامة على بنى تحتية «مناسبة». وبعدما حوّلت أبوظبي معسكرات «العشرين» و«الحزام الأمني» و«الرئاسة» و«الإنشاءات»، إلى معتقلات، تسعى اليوم إلى إنشاء واحد من أكبر معتقلاتها اليمنية، ويقع عند الساحل الغربي للبلاد حيث تقع مديرية ومدينة المخا التابعتين إلى محافظة تعز. وسيكون لها ذلك عبر تحويل «معسكر خالد بن الوليد» الذي سقط تحت سيطرة القوات الموالية لـ«التحالف» الذي تقوده السعودية في نيسان/أبريل الماضي، إلى معتقل.
يبعد هذا المعسكر عن مدينة المخا بمسافة 40 كيلومتراً وبمسافة توازي 60 كيلومتراً عن مدينة تعز، ويمتد بطول كيلومترين فوق سلسلة جبلية ويتميّز بتحصيناته الطبيعية المتمثلة بالمرتفعات والهضاب الحاكمة من جميع الاتجاهات، التي تُعدُّ سياجاً منيعاً للدفاع عنه وحمايته. وهذا المعسكر الذي يتصف بتحصيناته الكبيرة والذي يحتلّ المرتبة الثانية لناحية الحجم بعد «قاعدة العند» العسكرية في لحج، يلفّه سور حجري كبير، عرضاً وطولاً، وله ست بوابات، منها بوابتان رئيسيتان (البوابة الشرقية والبوابة الغربية)، وبوابتان ثانويتان (البوابة الشمالية والبوابة الجنوبية).
أيضاً، هو مجهز بأنفاق أرضية أنشئت في الستينيات، ويحتوي على عدد من المخابئ والخنادق الخرسانية التي أنشئت في خلال العقود الماضية. وفيما كانت القوات الموالية للرئيس المنتهية ولايته عبد ربه منصور هادي، ومعها «التحالف» السعودي، تتهم «أنصار الله» باستخدام هذه البنية التحتية كمخابئ للصواريخ، فإنّ الإمارات تسعى إلى الاستفادة منها في سياق مشروعها لتحويل المعسكر إلى معتقل.

يبعد «المعتقل الجديد» عن مدينة المخا
بمسافة 40 كيلومتراً


مما قد يُساعد على إنشاء معتقل ضخم كهذا في المخا، واقع أنّ الدور الإماراتي في هذه المنطقة يختلف كلياً عن أدوار أبوظبي في عدن (جنوب). فالسلطة المحلية في هذه المدينة التي يتجاوز عدد سكانها 100 ألف نسمة، تعكس النفوذ الإماراتي الكبير، إذ تُمارس أبوظبي هناك الحكم بشكل علني عبر مندوبها المعروف بـ«أبو محمد الإماراتي». ويساعد هذا الأخير عدد كبير من الضباط الإماراتيين، من بينهم الرجلان المكنَّيان بـ«أبو زرعة» وبـ«أبو عبد الله»، وهما المسؤولان المباشران عن تحويل مبانٍ حكومية وخدمية، تتمثل بمحاكم ونيابات ومصارف وموانئ ومصانع، إلى معتقلات سريّة تُمارس فيها مختلف أصناف التعذيب.
يترافق المسعى الإماراتي مع «قيام القوات الموالية لأبوظبي بمنع عودة مئات الأسر من أبناء المنطقة الذين يسكنون بالقرب من معسكر خالد إلى منازلها لأسباب غامضة»، وفق ما يشير مصدر محلي لـ«الأخبار». يُضاف إلى ذلك اعتقال تلك القوات عدداً من أبناء قرى الهاملي القريبة من المعسكر والقرى الأخرى، فيما تؤكد مصادر محلية لـ«الأخبار» أنباء «احتجاز الإماراتيين للعشرات من أبناء المخا وآخرين من أبناء المحافظات الجنوبية الذين رفضوا القتال في جبهة المخا إثر تصاعد ما وُصف بظاهرة القتل من الخلف، في ما يُسمى مصنع الثلج ومصنع التونة».
من جهة أخرى، تؤكد المصادر المحلية لـ«الأخبار» طلب قوات موالية للإمارات من القوات المسيطرة على «معسكر خالد بن الوليد»، والتابعة للقيادي السلفي حمدي شكري الصبيحي، «إخلاء المعسكر وتسليمه للقوات السودانية، تمهيداً لتحويله إلى أبو غريب آخر في اليمن»، في إشارة إلى المعتقل الشهير في العراق، الذي كانت تديره قوات الاحتلال بعد الغزو الأميركي للبلاد، وقد اشتهر إبان تسريب صور للتعذيب كان جنود وموظفو الاحتلال الأميركي ــ البريطاني يقومون بها. ويلفت مصدر إلى أن وفداً عسكرياً سودانياً زار المعسكر، قبل نحو عشرة أيام (يوم السبت الماضي)، في إطار المساعي الإماراتية لإخلائه من قوات «لواء العمالقة» الذي يقوده الصبيحي الأقرب إلى الرياض من أبوظبي.
في السياق، فمنذ شهر أيار الماضي، تحاول الإمارات إخلاء «معسكر خالد بن الوليد» من أي قوات جنوبية غير تابعة لها. وقد شنت أبوظبي حرباً سريّة على قوات «المقاومة الجنوبية» التي لا تخضع لها، بل تتبع ضمنياً لقيادة الوحدات الموالية لهادي، وتتلقى توجيهاتها من قيادة القوات المشتركة التابعة لـ«التحالف» في الرياض.
جدير بالذكر أيضاً، أنّه في شهر نيسان، وبعد أيام فقط من سقوط المعسكر تحت سيطرة القوات الموالية لـ«التحالف»، طالبت القوى الموالية للإمارات القواتِ المسيطرة على المعسكر بالانسحاب منه وإخلائه تحت مبرر «فتح جبهات جديدة في مديرية موزع واستمرار تحرير جميع المناطق المحاذية لباب المندب». إلا أنّ مطالب الإمارات كانت قد رفضتها قيادة «لواء العمالقة»، وأصدرت بياناً في حينه، طالبت فيه القوات الموالية لأبوظبي بـ«احترام تضحيات قوات العمالقة»، ورأت أنّ «مصادرة انتصاراتها خط أحمر».
على مدى الأشهر الخمسة الماضية من صراع الاستحواذ والنفوذ بين تلك القوات، قتل العشرات في عدد من المواقع والجبهات بـ«نيران صديقة»، وتعرض القيادي السلفي، الصبيحي، لمحاولة اغتيال نجا منها بأعجوبة، نُفذت بصاروخ موجّه. وعلى الرغم من تراجع الصراع بين الطرفين، فإنه لا يزال مستمراً حتى يتم إخلاء «معسكر خالد بن الوليد» بشكل كامل بغية إقامة معتقل الإماراتيين الجديد.