تشير وتيرة المعارك التي تجرى على جانبي الحدود السورية والعراقية إلى أن أيام سيطرة «داعش» على تلك المنطقة اقتربت من نهايتها. فالقوات العراقية اقتربت بسرعة لافتة من مدينة القائم التي تعد مركز آخر قضاء يسيطر عليه التنظيم في محافظة الأنبار ومجمل العراق، فيما خطا الجيش السوري وحلفاؤه خطوة مهمة نحو البوكمال، عبر السيطرة على محطة «T2» في أقصى ريف دير الزور الجنوبي.
المعارك السريعة التي تقودها حكومتا بغداد ودمشق هناك، ليست وحيدة، فالقوات العراقية تحاول استعادة السيطرة على المعابر الحدودية الشمالية مع سوريا، من يد سلطات «كردستان». كما تقود واشنطن حلفاءها من الأكراد وبعض العشائر نحو البوكمال السورية، مروراً بحقول نفط دير الزور الشرقية.
ويزداد تعقيد المشهد في محيط القائم ــ البوكمال، مع اقتراب القوات العسكرية من المدينتين الحدوديتين. فبينما تشهد العمليات العراقية ــ السورية قدراً عالياً من التنسيق، عبر فصائل «الحشد الشعبي» المشاركة في القطاع الجنوبي من الأنبار، تدعم واشنطن تحرك قوات «العمليات المشتركة» على طول وادي الفرات من راوة نحو القائم. كذلك فهي لا تخفي نيتها التقدم نحو البوكمال على الجانب السوري، بعد تثبيت نقاطها في محيط حقل العمر. الثابت الوحيد بين هذه المتغيرات هو أن «داعش» دخل في مراحل وجوده النهائية، أقله وفق شكله وهيكله الحالي، من دون أن يعني ذلك فقدانه القدرة على صد الهجمات على معاقله الأخيرة في وادي الفرات. بل على العكس، يتوقع أن يبدي التنظيم قدرات دفاعية عالية ضمن تلك المدن والبلدات، مستخدماً مخزونه الكبير من الانتحاريين. ويمكن قياس قدرة التنظيم من خلال الهجمات الأخيرة التي شنها ضد الجيش السوري على جبهتي محطة «T2» والوعر، وفي جنوبي الميادين.

وصلت قوات «التحالف»
إلى محيط حقل التنك
شرق دير الزور

وشهد أمس، خسارة التنظيم واحدة من أبرز النقاط الدفاعية التي صمد فيها لأشهر طويلة، وهي محطة «T2». سيطرة الجيش على المحطة الواقعة على أطراف بادية البوكمال الجنوبية الغربية، سوف تتيح له التحرك عبر البادية المفتوحة نحو البوكمال، وذلك بعد تأمين كل المناطق المحصورة بين المحطة ووادي الوعر والحدود العراقية. تلك المناطق التي استخدمها مسلحو «داعش» مراراً لشن هجمات سريعة ضد نقاط الجيش وحلفائه، أصبحت محصورة بين القوات (العراقية والسورية) التي تتحرك على طرفي الحدود بالتوازي، وهو ما سيسهل تطهيرها استعداداً للتقدم نحو البوكمال. وبرغم أهمية التثبيت في المحطة المحررة حديثاً، قبيل التحرك شرقاً، لا يبدو أن الجيش يملك وقتاً إضافياً يستطيع المناورة ضمنه. إذ يعمل «التحالف» بسرعة كبيرة على تحييد سيطرة «داعش» على قرى الفرات المحيطة ببلدة هجين، من دون قتال، وذلك بعد وصول «قوات سوريا الديموقراطية» إلى أطراف حقل التنك النفطي. ويضع «التحالف» مدينة البوكمال كواحد من أبرز الأهداف الحالية لعملياته هناك، وهو ما بدا واضحاً في تصريح نقلته وكالة «أسوشييتد برس» عن المتحدث باسم «التحالف» ريان ديلون، قبل أيام.
وتراهن واشنطن على دفع حلفائها في قوات الأمن العراقية للوصول السريع نحو مدينة القائم، بما يتيح لها وصل مناطق عملياتها بين سوريا والعراق، وتحييد الجيش السوري وحلفائه في سوريا، و«الحشد الشعبي» على الجانب العراقي. وقد «بارك» بيان أصدره «التحالف» إطلاق العمليات نحو غربي الأنبار، مؤكداً دعمه لتحرك قوات الأمن العراقية هناك. وأتى البيان عقب إعلان رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، أمس، عمليات «تحرير القائم». ومن اللافت أن «أمر العمليات» صدر عن العبادي عبر بيان من طهران، على عكس بيانات العمليات السابقة التي جاءت في كلمة متلفزة. وأكد العبادي في البيان عزم بغداد على «تحرير القائم وراوة والقرى والقصبات في غرب الأنبار»، مؤكّداً أنه «ليس أمام الدواعش غير الموت أو الاستسلام».
العمليات التي انطلقت بمشاركة القوات الأمنية المختلفة وقوات «الحشد الشعبي» و«الحشد العشائري»، وتحت غطاءٍ جوي لطيران الجيش والقوة الجوية العراقية، أسفرت في يومها الأول، عن تطويق مدينة القائم من الجنوب، بعد انسحاب القسم الأكبر من مسلحي التنظيم باتجاه المدينة. واستعادت القوات سيطرتها على الطريق الرابط بين القائم وعكاشات، غربي الأنبار، إضافةً إلى مناطق جباب والمعامل والمشاريع والنادرة والحسينيات والعكرة والحصى. أما على المحور الجنوبي، حيث أسندت المهمة إلى «الحشد»، فقد تمكّنت القوات من فرض سيطرتها على أودية النصر وعبيد والأغر والحلقوم وجحيش، إلى جانب استعادة قاعدة سعد الجوية السابقة (H2). وأعلن قائد عمليات «تحرير غرب الأنبار» الفريق الركن عبد الأمير يارالله، أن القوات التابعة لقيادة «عمليات الجزيرة» تمكّنت من «تحرير مفرق راوة، حيث سيطرت على منطقة الحصى ومجمعات الحصى السكنية ومنطقة الجباب، وفرضت سيطرتها الكاملة على منشآت محطة «T1» الحيوية، والمجمعات السكنية للمنشآت». وبعد التقدم الأخير، أصبحت القوات العراقية تطوّق مركز قضاء القائم من الجهة الجنوبية، حيث يتوقع أن تضيّق تلك القوات الخناق على مسلحي «داعش» كخطوة أولى لعزلهم داخل المدينة، لتبقى المنطقة المحصورة بين نهر الفرات ومحيط منطقة البعاج جنوب سنجار، في يد التنظيم، وهي منطقة لا تحوي تجمعات سكنية كبيرة، بإمكان التنظيم استخدامها كمعاقل حصينة.