القاهرة | يُلقي هجوم الواحات الذي وقع منذ أيام قليلة الضوء على المشاكل التي تعاني منها وزارة الداخلية المصرية، خصوصاً بعد توجيه الاتهامات إلى أفراد منها والتلميح إلى «الخيانة» في العملية التي أودت بحياة عشرات العسكريين، في وقتٍ لم تعترف فيه الحكومة المصرية إلا بـ16، منهم ضباط لهم أهمية كبيرة في جهاز الأمن الوطني.
ويرى المصريون أنّ مشكلة الوزارة تتمثل بوجود اللواء مجدي عبد الغفار، على رأسها، منذ فترة طويلة (تولّى المنصب في آذار/ مارس 2015) من دون تغيير، برغم ما شهدته مصر في الآونة الأخيرة من حوادث إرهابية سواء كانت تفجيرات (الطائرة الروسية، تفجير الكنيسة البطرسية في القاهرة وكنيستين أخريين في طنطا والإسكندرية)، أو اغتيالات (اغتيال النائب العام السابق والعميد عادل رجائي ومحاولة اغتيال النائب العام المساعد ومفتي الجمهورية السابق علي جمعة)، هذا فضلاً عن ضرب الإرهابيين لكمائن تابعة للشرطة، ما سلّط الضوء على التقصير من جانب هذا الجهاز، وعدم الاستعداد الكافي لصدّ الهجمات المتكررة.
وضْعُ «الداخلية» في موضع المساءلة والتشكيك، يؤثر مباشرةً بصورة الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي يستعد خلال الشهور المقبلة لخوض انتخابات الرئاسة مرة ثانية. وقد ظهر السيسي في اليوم التالي للهجوم الكبير، في احتفالٍ في مدينة العلمين حيث دشّن المدينة الجديدة، مستفزاً مشاعر المصريين الذين مثّل حجم هجوم الواحات صدمةً مؤلمة لهم. إلا أن التعاطي ببرودة مع هذا الحدث، لن يجنّب الرئيس التأثيرات في الشهور المقبلة، خصوصاً على مستوى الحشد الذي بدأ للانتخابات المحددة في أيار/ مايو المقبل، مع العلم أن حملة «علشان تبنيها» قد انطلقت لجمع توقيعات تطلب من السيسي الترشح لفترة رئاسية ثانية.

قد تقضم هذه الحوادث إذا تكررت من شعبية السيسي المتآكلة أصلاً

ذلك يعني أنه ليس من مصلحة السيسي أن تتوجه أصابع الاتهام إلى السلطات الأمنية، وإظهار الأجهزة الأمنية مخترقة وضعيفة في وقتٍ يعتبر فيه الرئيس والمسؤولون أن انشغالهم في مواجهة الإرهاب يبرر كل التقصير في الملفات الأخرى، خصوصاً الاقتصادية والاجتماعية.
وقد تقضم هذه الحوادث إذا لم يُوضَع حدٌّ لها، من شعبية السيسي المتآكلة أصلاً لأسباب عدة، من بينها ملف الإرهاب. فالرجل الذي يتحدث كثيراً عن محاولات الدولة الدائمة للقضاء على الإرهاب عبر الجيش والشرطة، يُتوقّع منه ألا يرضى بما شهده الشارع المصري في هجوم الواحات الذي أفقد الداخلية نخبةً من الضباط، خصوصاً مع طرح العديد من التساؤلات عن الهجوم. وأول التساؤلات: كيف تخرج حملة أمنية على هذا المستوى وبهذا العدد من الضباط من دون غطاء جوّي؟ وكيف يتعرقل سير المدرعات بسبب غرزها في الرمال وكأن رجال الشرطة لا يعرفون طبيعة الصحراء والمكان الذي يذهبون إليه؟ وأين ذهب الضابط محمد الحايس، المفقود حتى الساعة، وهل هو ضمن من قُتلوا أم ضمن الناجين الذين عادوا؟
كذلك، إن الثُّغَر التي يُطالب كثيرون بمحاسبة وزير «الداخلية» عليها، لم تقتصر على العملية الأمنية، فقد طاولت هذه الثُّغَر أداء الجهاز الإعلامي التابع للوزارة الذي تكتم على تفاصيل الحادث لساعات طويلة، ما جعل الشائعات تنتشر على وسائل التواصل الاجتماعي وفي الشارع المصري، خصوصاً لجهة العدد الحقيقي للشهداء. وأقل ما كان يمكن فعله منذ البداية بحسب صحافيين وإعلاميين مهتمين بتغطية أخبار الوزارة، هو أن تُعِدَّ المؤسسة بيانات صحفية قصيرة تعطي معلومات أولية كلما توافرت، بدلاً من تناثر الشائعات هنا وهناك.
ما حدث في الواحات أعاد التساؤال القديم إلى الأذهان: لماذا لا تُعاد هيكلة وزارة الداخلية؟ لقد زادت هذه المطالبات بعد الثورة وارتفعت الأصوات المطالبة بها أيام حكم «الإخوان المسلمين»، خصوصاً بعدما نكّلت «الداخلية» بالكثير من المواطنين من دون أن يلقى هذا رد فعل من السلطة السياسية؟