عرضت حكومة «إقليم كردستان» فجر أمس، مبادرةً لوقف فوري لإطلاق النار في المناطق المتنازع عليها، والانتقال مع الحكومة في بغداد إلى طاولة الحوار لحل المشاكل العالقة بين الطرفين. مبادرة طرحتها أربيل، دون أي سابق إنذار، خصوصاً أن المعطيات الميدانية، التي كان آخرها هجوم قوات «البشمركة» على موقع للقوات العراقية في قضاء مخمور وأسرها لجنديين عراقيين، تشي بأن المواجهة بين بغداد وأربيل لا تزال قائمة.
ورأت حكومة «الإقليم»، برئاسة نجيرفان البرزاني، أن «الوضع والخطر الذي يتعرض له‌ كردستان والعراق، يفرض على الجميع أن يكون بمستوى المسؤولية‌ التأريخية‌، وعدم دفع الأمور إلى حالة‌ القتال بين القوات العراقية‌ والبشمركة‌»، مضيفةً أن «الهجمات والصدامات بين الطرفين (منذ منتصف الشهر الجاري)، أدّت إلى وقوع خسائر، قد تؤدّي إلى حرب استنزاف، وبالتالي إلى تدمير النسيج الاجتماعي بين المكونات العراقية».
مقدمة «المبادرة»، تبرز لغة تراجعٍ إزاء ردّ فعل بغداد على إجراء أربيل للاستفتاء الانفصال»، فظهر «الإقليم» من موقع «المستسلم» أمام «الرأي العام العراقي، والعالمي». هذه الصورة المعتمد رسمها، من قبل القيادة الكردية، توزّعت بين إظهار «الضعف» والتشبّث بالرأي. فالبند الأوّل من المبادرة يدعو إلى «وقف إطلاق النار فوراً، ووقف جميع العمليات العسكرية في الإقليم»، فيما شدّد البند الثالث، الذي جاء «نتيجةَ» إعلان المبادرة على «البدء بحوار مفتوح بين حكومة الإقليم، والحكومة الاتحادية على أساس الدستور العراقي».
أما البند الثاني، الذي جاء ربطاً بين «الدعوة» و«نتيجتها»، فهو «تجميد نتائج عملية الاستفتاء، التي أجريت في كردستان، في 25 أيلول الماضي»، وهو «فخّ نصبته أربيل لحكومة (حيدر) العبادي»، بوصف عددٍ من المصادر العراقية في حديثها إلى «الأخبار».
فالقيادات العراقية، بمختلف ألوانها، وإن استبشرت خيراً بالمبادرة، إلا أنها وقفت مليّاً عند عبارة «تجميد»، باعتبار أن الدعوة كانت إلى «الإلغاء». فحكومة «الإقليم» حاولت إظهار «سلميتها» إزاء التقدّم «العنيف» للقوات العراقية في المناطق المتنازع عليها، وهو أمرٌ يُكسب أربيل صفةً إيجابية أمام المجتمع الدولي، باعتبارها «حريصةً على إنهاء النزاع المسلّح».
وتفسّر قيادات عراقية عدّة، في حديثها إلى «الأخبار»، مبادرة أربيل، داعيةً إلى التنبّه من «الفخ»، فـ«التجميد يعني إرجاء المفعول، والمحافظة عليه»، ما يُخضع بغداد لابتزازات أربيل في المرحلة المقبلة، وهو أمرٌ لن تقبله الحكومة الاتحادية. إذ تحذّر القيادات العراقية في أحاديثها من أن رئيس «الإقليم» مسعود البرزاني، العازم على اعتزال العمل السياسي قريباً، يعمل على نصب آخر فخاخه لبغداد، التي قضت على مسيرته السياسية باسترجاع كل المكتسبات التي حازها البرزاني طوال الأعوام الماضية.
وبناءً عليه، تفرّق قيادة «العمليات المشتركة» بين المبادرة وما يجري في الميدان، إذ شدّدت مصادرها، في حديثها إلى «الأخبار»، على أنها «غير معنية بما يجري على الصعيد السياسي، وهي مصممة على استكمال فرض سيطرتها على المناطق المتنازع عليها، والعودة إلى حدود 2003».
وفرضت القوات العراقية، أمس، سيطرتها على منفذ ربيعة الحدودي مع سوريا، بعد انسحاب مسلحي «حزب العمال الكردستاني» إلى داخل الأراضي السورية، عند منفذ «اليعربية ب».
وجدّد رئيس حكومة «الإقليم»، أمس، دعوته إلى إجراء حوار جدي بين أربيل وبغداد على أساس الدستور العراقي، وذلك في لقاءٍ جمعه بالمبعوث الخاص للأمم المتحدة في العراق، يان كوبيش، الذي أبدى قلقه حيال الأحداث التي وقعت خلال الأيام الماضية في كركوك والمناطق المتنازع عليها.
ورحبت وزارة الخارجية الأميركية، بالمبادرة الكردية، إذ قالت المتحدثة باسم الوزارة هيذر نويرت، في تغريدة على «تويتر»، أمس: إننا «نرحب ببيان حكومة إقليم كردستان الذي أعلنت فيه وقفاً فورياً لإطلاق النار، ووقف العمليات، والتقدم خطوات نحو الأمام عبر إجراء الحوار».
ورحبت طهران أيضاً بالمبادرة، إذ اعتبر مستشار السياسة الخارجية لمرشد الثورة علي أكبر ولايتي، أن «الاستفتاء ونتائجه لم يكونا ليحققا أي شيء للأكراد أو العراقيين»، مشيراً إلى أن «مصلحة جميع العراقيين عدم تغيير الوضع الراهن للبلاد». وأعلنت القنصلية الإيرانية في مدينة أربيل إعادة افتتاح منفذ باشماق مريوان، الحدودي مع محافظة السليمانية، الذي أُغلق بعد إجراء استفتاء الانفصال. وقالت القنصلية في بيان لها إنه «نظراً إلى طلب مجلس محافظة السليمانية، والمثقفين وعوائل الشهداء بالقصف الكيميائي بمحافظة حلبجه، فإن منفذ باشماق مريوان الحدودي ستُستَأنف نشاطاته العادية ابتداءً من صباح الأربعاء».
(الأخبار)