في وقت تتصاعد وتتراجع فيه المعارك العسكرية في مختلف جبهات القتال في الميدان اليمني، وتتسارع وتتباطأ التحركات السياسية والدبلوماسية داخل الأروقة الدولية لإيجاد «حلٍّ أو تسوية»، هناك حقيقة ثابتة لا يغيّرها ضجيج الحراك الدولي ولا صوت المعارك المشتعلة، وهي أن أطفال اليمن يعيشون واقعاً مأساوياً، فرضه عليهم العدوان الذي حرمهم من أبسط حقوقهم في الحياة والطعام والشراب والمسكن والتعليم.
وأعلنت «منظمة الأمم المتحدة للطفولة» (يونسيف) أنه «لا عام دراسياً جديداً في اليمن، جراء استمرار الوضع المتفاقم في البلاد»، مشيرةً في تغريدةٍ على «تويتر» إلى أن «العنف يغلق أبواب مدارس البلاد، ويحرم المدرّسين من تقاضي رواتبهم لعام كامل».
كذلك أصدرت «يونيسيف» بياناً على لسان المدير الإقليمي للمنظمة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، خيرت كابالاري، قال فيه إن «الجهود الإنسانية الجارية لا تتعدّى نقطة في محيط المعاناة التي يعيشها اليمن»، داعياً المانحين إلى «تقديم المساعدات الضرورية لتحفيز العاملين في سلك التعليم والصحّة وغيرهم من الموظفين المدنيّين الذين يقدمون الخدمات الحيويّة لأطفال اليمن... الذين يتحمّلون من المعاناة ما لا ينبغي لأيّ إنسان أن يتحمّله».
وقالت «يونيسيف» إنه في حين تفتح المدارس أبوابها عادةً في الأول من أيلول، لا تزال مدارس اليمن مغلقة، مضيفة أنه «تأجّل العام الدراسي عدّة مرات بسبب أزمة الرواتب، حيث إن ثلاثة أرباع المدرسين لم يتلقّوا رواتبهم منذ ما يقرب من عام كامل».
ويشهد القطاع التعليمي في اليمن «انهياراً كاملاً» يجرّد قرابة 5 ملايين طفل من حقهم في الجلوس على مقاعد الدراسة، ويحرمهم من فرصة تنمية قدراتهم وبناء علاقات سليمة.
ففي العامين الماضيين، كشفت إحصائيات وزارة التربية والتعليم عن توقّف 2380 مدرسة ومنشأة تعليمية موزّعة على المحافظات اليمنية عن العمل، إما بسبب تعرضها للاستهداف المباشر من قبل طائرات تحالف العدوان، أو تحويلها إلى ملاجئ للنازحين أو ثكن عسكرية ومخازن للأسلحة.
هذا الواقع الأليم المفروض على القطاع التعليمي تفاقم مع دخول البلاد في ما بات يعرف بـ«أزمة الرواتب»، نتيجة توقف عملية صرف مرتبات الموظفين الحكوميين، عقب قرار الرئيس المستقيل عبد ربه منصور هادي نقل البنك المركزي من العاصمة صنعاء إلى عدن.
ويؤكّد مسؤول الاتصالات في الملف اليمني في «يونيسيف»، بسمارك سوانجين، أن الأزمة تطاول «أكثر من 166 ألف مُدرّس، أي نحو 73 في المئة من المعلمين، وتؤثر سلباً على 78 في المئة من إجمالي المدارس»، مشيراً في حديثه إلى «الأخبار» إلى أن الأزمة الإنسانية الراهنة يمكن وصفها بـ«أزمة الأطفال».
من جهته، يصف مدير مكتب التربية في أمانة العاصمة صنعاء، محمد الفضلي، الوضع بـ«الكارثي»، كاشفاً في حديثه إلى «الأخبار» أن «13,000 مدرسة من أصل 20,000 مدرسة تستقبل 5 ملايين و500 ألف طالب مقفلة حتى اليوم».
وبعيداً عن «أزمة الرواتب»، يشير المدير العام للصحة المدرسية في صنعاء، علي مرغم، إلى أن الاستهداف المباشر للمدارس من قبل العدوان لا يقل خطورة، مؤكداً في حديث إلى «الأخبار» أن العديد من الأطفال «قتلوا أو أصيبوا وهم في طريقهم من المدرسة وإليها».
وفيما ترتكب السعودية والدول الحليفة لها هذه الجريمة بحق أطفال اليمن ومستقبلهم، ينشغل «صانعو القرار» بقياس أرباحهم وخسائرهم السياسية والميدانية في البلد العربي الأشد فقراً، بالإضافة إلى عدد من «مناطق الصراع» الأخرى.
وعلى الرغم من أن البلاد تشهد الأزمة الانسانية الأسوأ في العالم، فإن الملف اليمني ليس في سلّم أولويات دول العالم، لا سيما بالنسبة إلى الولايات المتحدة التي يصل وزير خارجيتها ريكس تيلرسون اليوم إلى الشرق الأوسط.
وأعلنت وزارة الخارجية الأميركية، أمس، أن تيلرسون سيزور السعودية وقطر، ضمن جولة خارجية ستشمل أيضاً باكستان والهند وسويسرا، تبدأ اليوم وتستمر أسبوعاً، سيبحث خلالها عدداً من القضايا، أبرزها الأزمة الخليجية، في إشارة إلى قطع دول عربية لعلاقاتها الديبلوماسية مع قطر، وكذلك «الصراع في اليمن وإيران».
وفي ظل غياب الأفق السياسي للحل، تتصاعد حدّة الاشتباكات في الميدان اليمني، إذ أعلنت حركة «أنصار الله»، أمس، «مقتل وجرح عدد من جنود العدو السعودي ومرتزقته في عمليات عسكرية نفذها الجيش واللجان الشعبية على مواقعهم وتجمعاتهم في مختلف الجبهات»، وفق وكالة الأنباء الرسمية (سبأ).
ووفق «سبأ»، فإن الجيش واللجان «كسروا محاولة زحف على موقع الشرفة في نجران استمر أربع ساعات مسنوداً بالطيران الحربي والأباتشي والاستطلاعي... ونفذوا عملية عسكرية على موقع عسكري شرق موقع الطلعة في نجران»، في حين «أطلقت القوة الصاروخية صلية صواريخ كاتيوشا على تجمّع الجنود السعوديين في جيزان»، مشيرة إلى تكبّد تحالف العدوان خسائر بشرية ومادية في جبهات الجوف وميدي وشبوة.
وفي المقابل، شنّت طائرات العدوان سلسلة غارات على محافظات الجمهورية، فيما «أطلق حرس الحدود السعودي النار على المواطنين، ما أدّى إلى استشهاد وإصابة ثلاثة من سكّان المناطق الحدودية، التي تعرضت أيضاً لقصف صاروخي ومدفعي»، وفق الوكالة الرسمية.
(الأخبار)