لا تعدّ زيارة وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو لفلسطين المحتلة زيارة استثنائية، رغم أهميتها ودلالاتها النسبيتين. من جهة إسرائيل، لا تتوقع تغييراً في موقف روسيا وثوابتها نتيجة للزيارة، ومن ناحية روسيا لا تتوقع تغييراً في الموقف الإسرائيلي، بمعنى الابتعاد عن المطالب والإلحاح عليها، بنتيجة الزيارة.
ورغم حرص الجانبين على تظهير التوافق، إلا أنّ هناك ما يفرق بينهما أيضاً، تكتيكياً، وعلى المدى المتوسط، وكذلك على المدى البعيد. إسرائيل تتموضع في حلف ومحور عمل ويعمل جاهداً على إسقاط كل الأهداف الروسية في سوريا والمنطقة، والتي تتقاطع فيها مع طهران ودمشق. وهي تقف على نقيض منها، إلى جانب خصوم روسيا وأعدائها، في حرب لا هوادة فيها. حرب لم ينكفئوا فيها إلا بفعل الميدان، ونتيجة تعذّر استمرارهم في مواصلة خيار الهجوم.
استغل رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، ووزير أمنه أفيغدور ليبرمان، زيارة وزير الدفاع الروسي لاستنساخ التصريحات والمطالب الإسرائيلية، كما التهديدات، شكلاً ومضموناً، بلا أي تغيير: التحذير من التهديد الإيراني وحزب الله، ومن اليوم الذي يلي انتصار الرئيس السوري بشار الاسد، ومن تشكّل وتعاظم التهديدات على إسرائيل، مع مطالبة بضرورة سعي روسيا إلى مساعدة تل أبيب في دفع هذه التهديدات ومنع تشكلها، أو الحد منها.
مع ذلك، برز في تصريحات نتنياهو، أمام شويغو، جديد، وليس بما يرتبط بالتهديدات والصراخ الإسرائيلي، بل بالشكوى من «عدم المبالاة» الإيرانية بتهديداته المتكررة. وكما ينقل الإعلام العبري، تركّز معظم اللقاء على حديث نتنياهو عن «محاولة إيران التموضع العسكري في سوريا»، مع تشديده على «وجوب أن تدرك إيران أن إسرائيل لن تسمح بذلك».
الجديد أيضاً، من ناحية نتنياهو، هو مخاطبة الروسي، من خلال شويغو، عن الملف النووي الإيراني الذي لا يوجد أي لغة مشتركة حوله بين إسرائيل وروسيا، إذ حذر نتنياهو، خلال اللقاء أمس، من أنه «إذا لم يتم تعديل الاتفاق النووي، فإن إيران ستمتلك ترسانة من الأسلحة النووية خلال 8 ــ 10 سنوات».
أما الجديد، من ناحية ليبرمان، خارج التصريحات المتكررة حول إيران وتهديدها المتشكل وحلفائها في سوريا، فهو إثارته «موضوع إلغاء ازدواجية خدمة العلم للأشخاص الذين يحملون جنسية الدولتين». وفي هذا الموضوع، يؤكّد الإعلام العبري وجود تجاوب من الجانب الروسي، مع وعود بمتابعة هذه القضية التي تعني لليبرمان كثيراً جداً في صناديق الاقتراع، بصفته رئيساً لحزب «إسرائيل بيتنا»، الذي معظم مؤيديه من أصل روسي ومن حملة الجنسيتين.
من جهة شويغو، كان مستمعاً جيداً للتصريحات والمواقف، لكنه في المقابل شدّد على الرغبة الروسية في «مناقشة كل ما يتعلق بسوريا»، وهي الساحة التي يريد نقاشها حصراً، لافتاً إلى ضرورة «مناقشة العملية هناك، حيث تقترب من نهايتها»، مع تشديده على «ضرورة إيجاد حل عاجل لعدة جوانب من الوضع السوري، ومناقشة آفاق تطور الوضع في سوريا، في المستقبل». وكلام شويغو الدبلوماسي جداً، يشير لإسرائيل بصورة غير مباشرة إلى أنه آت ومستعد للاستماع لهواجسها، لكن مع ضرورة التفاتها إلى أن الفرصة الزمنية لم تعد كبيرة جداً ربطاً باقتراب إنهاء الوضع الميداني في سوريا، ما يعني أن الوقت لم يعد متاحاً لمزيد من التسويف، والوقوف على سقوف عالية.
وتراهن إسرائيل، بناءً على رؤية، أن يؤدي التعارض المستقبلي بين روسيا وحليفها الإيراني في سوريا، في مرحلة ما بعد إنهاء القتال العسكري المباشر فيها، إلى تحقيق مصالحها، وذلك عبر دفع روسيا إلى الإسراع في ترجمة هذا التعارض المستقبلي أفعالاً والتزامات، تنهي بموجبه الوجود الإيراني في سوريا.
إلا أن العيون الروسية لا تقصر رؤيتها على الكيلومترات الخمسة أو تلك الستين، انطلاقاً من الحدود في الجولان المحتل، كما تراها وتريدها إسرائيل. بل إن العيون الروسية لا تنظر فقط إلى الساحة السورية وجغرافيتها، التي تريد إسرائيل أن «تخرج» إيران نهائياً منها. العيون الروسية تنظر إلى الجغرافيا السورية لذاتها، وكذلك وبشكل أكثر عمقاً، بوصفها جزءاً لا يتجزّأ من المشهد الإقليمي الأوسع، وصولاً إلى الأبعاد الدولية لهذا المشهد.
وإذا كانت إسرائيل تنظر وتطالب روسيا بأفعال انطلاقاً من هذه الجغرافيا أو تلك، في الجنوب السوري أو امتداداً للخريطة السورية العامة، فإن المقاربة الروسية للمطلب الإسرائيلي ستبقى محكومة بميزان المصالح الروسية الأوسع. نعم، يمكن لموسكو أن تراعي هواجس إسرائيلية، لكن بما لا يضرّ بالمصالح الروسية، ليس على مصالحها في سوريا وحسب، بل أيضاً على مصالحها في الإقليم، حيث تشكل إيران نقطة ارتكاز أساسية فيها. من هنا، تدرك إسرائيل، أو يفترض بها أن تدرك، أن سقف رهاناتها مرتبط بهذا القيد، وإنما تحاول تلمّس وبلورة خيارات ما بين هذه السقوف. ضمن هذا الإطار تواصل التهديد والمطالب، لأنها تدرك أنها غير قادرة على التسليم بالواقع المتشكل، وغير قادرة في الوقت نفسه على إزالة التهديد أو الحدّ منه بقدراتها الذاتية... ما يعني مواصلة التهديد، وإن لم ينفع، فمزيد من التهديد.