القاهرة ــ الأخبارفي تحوّلٍ نوعي للعمليات المسلحة في شمال سيناء، تعرضت منطقة وسط العريش أمس لهجومٍ هو الأضخم منذ نحو 25 شهراً، حين اقتحمتها خمس سيارات فيها عشرات المسلحين من تنظيم «ولاية سيناء»، التابع لتنظيم «داعش»، يحملون أسلحة ثقيلة، ليسرقوا «البنك الأهلي»، أكبر بنوك المدينة، في عمليةٍ هي الأولى من نوعها، إذ لم يسبق أن شهدت المنطقة عمليات بهذا الحجم غايتها سرقة الأموال.

واشتبك المسلحون مع قوات الأمن في المنطقة المحيطة لتجنيب القوة التي دخلت من أجل سرقة البنك مواجهات أمنية عنيفة، حيث عادةً ما تشهد البنوك في العريش إجراءات أمنية عادية باعتبارها لا تقع في دائرة استهداف الجماعات المسلحة على عكس أقسام الشرطة.
وبشأن تفاصيل ما جرى، يقول شهود عيان إنّ قوات الأمن تعرضت لهجمات عدة متزامنة، بعضها تمّ بـ«سيارات نقل» كانت تحمل المسلحين، والبعض الآخر جرى بدراجات نارية، واشتبكت مجموعة مسلحة مع قوات كمين أمني في شارع «23 يوليو» في المدينة. وفي الأثناء، اقتحمت قوة أخرى مقرّ «البنك الأهلي» وقتلت رجال الأمن الإداري والشرطة الموجودين في الفرع «بواسطة وابل من الرصاص»، وزرع أعضاؤها عبوات ناسفة أمام المصرف، في وقت سرقت فيه مجموعة أخرى مبلغ «16 مليون جنيه» (نحو 900 ألف دولار)، وهو مخصّص للرواتب التي كان المصرف يستعد لتوزيعها.
في غضون ذلك، قامت مجموعة ثالثة بالاشتباك مع كمين أمام كنيسة مار جرجس، فيما واجهت مجموعة رابعة كميناً أمام مجلس المدينة، في محاولة لمنع وصول أي إمدادات عسكرية للكمين الذي يقع في منطقة المصرف.
وشهدت مدينة العريش حرب شوارع استمرت لأكثر من ثلاث ساعات، فجرى إخلاء جميع المدارس في وقت مبكر من الصباح، فيما أغلقت جميع المصالح الحكومية بعد وقت قصير من بداية دوام العمل، في ظل مخاوف من توسع المواجهات. وهذه المرة الأولى منذ أشهر التي يشهد فيها قلب العريش هذا الهجوم الدموي في النهار، ما جعل الشرطة تطلق تحذيرات للمواطنين بضرورة ملازمة منازلهم والابتعاد عن منطقة وسط المدينة.
ووفق البيان الرسمي لوزارة الداخلية المصرية، فإنّ «الهجوم أسفر عن استشهاد خمسة أشخاص من بينهم ثلاثة من رجال الشرطة»، فيما سقط عدد من القتلى في صفوف المسلحين، لم يعلن عنه حتى الآن.

كان المصرف يستعدُّ
لتوزيع هذه الأموال
المنهوبة كرواتب

وتحاول الأجهزة الأمنية التعرف إلى هوية أكبر عدد من مرتكبي هجوم يوم أمس، عبر كاميرات المراقبة، خصوصاً أنّ غالبية مناطق الاشتباكات فيها كاميرات وسيتم من خلالها التعرف إلى نوعيات الأسلحة التي كانت في حوزة المسلحين، فيما تقرر تشكيل لجنة لبحث تعويض الأهالي بعدما تضررت محال ومساكن مئات الأسر.
واستخدمت القوات المسلحة طائرات «أف 16» التي لاحقت سيارات المسلحين في الطريق الصحراوي ودمرت بعضها، وحلّقت الطائرات على مستوى منخفض وسمع صوتها بوضوح في جميع مناطق العريش، بعد وقت قليل من توقف تبادل إطلاق النار في محيط المناطق السكنية.
التحوّل النوعي في عمليات يوم أمس ترى فيه الأجهزة الأمنية «سلوكاً مرتبطاً بمعاناة التنظيم (ولاية سيناء) في نقص الأموال بشكل واضح مع تجفيف منابع التمويل بصورة كبيرة والضربات الاستباقية التي قامت بها الأجهزة الأمنية خلال الأسابيع الماضية»، علماً بأنّ حالة استنفار قصوى أُعلنت قبل ساعات من الهجوم مع توافر معلومات أوّلية عن عملية ضخمة يجري التخطيط لتنفيذها، من دون أن يتضح مزيد من المعلومات عن هذه العملية. وبدا أنّ هذه المعلومات شكّلت السبب المباشر في تراجع السلطات المصرية عن فتح معبر رفح اعتباراً من أمس حتى الخميس المقبل، وسط توقعات أن يُفتح المعبر بداية الأسبوع المقبل في الاتجاهين.
وفي حديث إلى «الأخبار»، أفاد مصدر في الجيش المصري بأنّه «سوف يتم تنفيذ عملية أمنية على نطاق واسع في الأماكن الصحراوية والدروب القريبة لاستمرار ملاحقة العناصر الفارة من المواجهات»، مؤكداً أنّ «هناك حملات مكثفة ستخرج لضبطهم خلال الساعات المقبلة، مستعينة بأحدث أجهزة تحديد المواقع وبالطائرات الحربية».
ورأى المصدر أنّ الهدف الرئيس من عملية يوم أمس هو «تشتيت جهود رجال الأمن إلى حين الاستيلاء على الأموال من المصارف»، لافتاً إلى أن التعزيزات العسكرية «لم تتأخر في الوصول إلى الكمائن، لكنّ كثرة مواقع الاشتباكات عززت من تقسيم القوات».