اختار العدو الإسرائيلي فجر أول من أمس، لإطلاق سراح الأسير خضر عدنان. كان توقيت الإفراج عن عدنان مدروساً. فقد فضّل العدو إطلاق سراحه في الوقت الذي تكون فيه «العالم» غارقة في النوم، لمنع الاحتفال بخروج الأسير. لكن برغم إنهائه إضرابه عن الطعام الذي استمر 55 يوماً، لا يزال الأسير يحاول التأقلم مع العودة إلى الطعام. فهو نتيجة توقفه عن تناول الأكل، كان بحاجة إلى عملية إعادة تأهيل جسدية ليستطيع الابتلاع والهضم.
فبعد فترة طويلة من الإضراب، تجف أمعاء المُضرِب وتلتصق ببعضها، وتنتفخ المعدة، لذلك يحتاج الأسير إلى فترة من العناية الطبية والاهتمام ليستطيع العودة إلى حياته الطبيعية. بالطبع، لم ينل الشيخ عدنان في الأسابيع الماضية أي اهتمام، فقد أهملت سلطات الاحتلال علاجه، ما استدعى نقله إلى مستشفى كابلان في مدينة رحوفوت جنوب تل أبيب، لإجراء عملية له بإدخال أنبوب بلاستيكي من أنفه، وصولاً إلى معدته لفتح أمعائه.
لنتخيل أن شخصاً لم يتناول شيئاً على مدى خمسين يوماً، وأن إكسير حياته كان يعتمد على «الميّ والملح» فقط، وفي حالة عدنان على الماء فقط. لنتخيل بعد تلك الفترة أنه حاول أن يتناول الطعام، لن تكون العملية سهلة، وستكون كمحاولة طفل لم تنبت أسنانه بعد وهو يحاول مضغ قطعة لحم. لنتخيل أنك في حالتك هذه وبطنك منتفخ من الغازات وحمضيات المعدة، يدخل الأطباء في أنفك أنبوباً لإطعامك، بالتأكيد لا يمكن وصف الشعور. ففي الأسابيع الماضية أقرت حكومة العدو قانوناً ينص على «إجبار إطعام الجنائيين الأمنيين (الأسرى) المضربين عن الطعام بالقوة». فبالنسبة إلى الإسرائيليين، إضراب الأسرى عبارة عن «عمليات انتحارية (استشهادية) ضد إسرائيل»، كما قال أحد قادة العدو. ولمن لا يعرف ما هو الإطعام القسري، فذلك يعني تكبيل الأسير بسريره، إدخال أنبوب بلاستيكي عبر الأنف أو الفم إلى معدته وضخ السوائل، وإذا رفض الأسير ذلك وقاوم العملية، فمن المحتمل أن يدخل الأنبوب في الرئتين. وفي كلتا الحالتين، فإن الإطعام القسري يعتبر وسيلة تعذيب أكثر مما هو وسيلة «لتخفيف الضرر الناجم عن الإضراب»، بحسب مصطلحات العدو.
حالياً، يعيش الشيخ عدنان حريته بعدما كسر عنجهية وغطرسة جيش وشرطة العدو ورفض سياسة الاعتقال الإداري التي طبقها العدو عليه. وبما أن الانتصارات تجرّ بعضها، فقد أعلن أسرى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والجهاد الإسلامي رفضهم المثول أمام محكمة الاستئناف الإسرائيلية، رفضاً لسياسة الاعتقال الإداري، وهددوا في بيان صدر عنهم الأسبوع الماضي، أنهم سيصعدون مواجهتهم مع السّجان من دون تحديدهم خطواتهم المقبلة. ومع إنهاء الشيخ عدنان إضرابه ونيله حريته، لا يزال هناك الآلاف من الأسرى الفلسطينيين والمئات من المعتقلين الإداريين الذين لا يملكون شيئاً سوى معداتهم الخاوية لمواجهة العدو بها. فالاعتقال الإداري بالنسبة إليهم أسوأ من الاعتقال العادي، إذ يمكن السجان بعد إطلاق سراحك ووصولك إلى باب المعتقل، اعتقالك مجدداً من دون توجيه أي تهمة إليك، والقول إن اعتقالك إداري. هكذا، انتصر عدنان على سجانه وانتصاره لم يكن نتيجة جهده وصبره فقط، فلزوجته الدور الأكبر في إيصال رسالته إلى خارج جدران السجن والمستشفى، إذ عند توقيع الاتفاق بين العدو والشيخ لإطلاق سراحه، قال أحد الضباط الشرطة الإسرائيلية لها: «كنا نعتقد أن الشيخ عنيد، لكن تبين أن هناك من هو أعند منه، وهو أنت».