الجزائر | يتحسب الجزائريون لارتفاع كبير في أسعار المواد والسلع الاستهلاكية، بفعل اعتزام الحكومة اعتماد خيار الإصدار النقدي، أي طبع العملة الورقية دون مقابل في الإنتاج. وقد بدأت تبعات هذا القرار حتى قبل اتخاذه، تظهر في انهيار العملة الوطنية التي وصل سعرها في السوق السوداء إلى 200 دينار مقابل يورو واحد، وهو مؤشر ينذر بمستويات قياسية للتضخم في سنة 2018، لدرجة اعتبار كثير من السياسيين والاقتصاديين أنّ الجزائر تسير نحو النموذج الفنزويلي.
وفي تبريرات اتخاذ هذا القرار، أكد الوزير الأول (رئيس الحكومة) أحمد أويحيى، أنّ اللجوء إلى التمويل من طريق اقتراض الخزينة من البنك المركزي «ليس خياراً»، بل «حتميّ» بهدف إعادة بعث الاقتصاد الوطني والحفاظ على وتيرة التنمية في البلاد. وأبرز أويحيى أثناء عرضه مخطط عمل الحكومة، أمام مجلس الأمة (الغرفة العليا للبرلمان)، أمس، أن الجزائر في وضع لا يسمح لها بـ«تسديد أجور العمال والموظفين في الأشهر المقبلة»، وكان صريحاً لدرجة أنه خاطب أعضاء مجلس الأمة بأنهم لن يتمكنوا هم كذلك من تسديد أجورهم إن لم يتقرر هذا الإجراء.

رئيس الحكومة:
نعاني من نفاد
الأموال بسبب أسعار النفط والعجز

وبحسب أويحيى، تعاني الخزينة الجزائرية من نفاد في الأموال، بسبب تراجع أسعار النفط والعجز المتراكم في موازنات السنوات السابقة. وسيبدأ قرار طبع النقود في غضون 3 أسابيع، لتسديد أجور العمال والموظفين، وتسديد مستحقات المقاولات التي تنفذ المشاريع العمومية وإعادة إطلاق بعض المشاريع التي كان ينقصها التمويل. وعلى الرغم من أن أويحيى يواجه مقاومة شديدة من المعارضة الرافضة لهذا المشروع، إلا أنّه يبدو مصمماً إلى درجة أنه قال إن صراحته بخصوص عجز ميزانية الدولة قد بلغت درجة الوقاحة، لكنه لا يملك غير ذلك.
غير أن تبريرات الحكومة بشأن قرار طبع العملة، لم تُقنع المعارضة التي رأت في الأمر مجرد «حيلة للهرب إلى الأمام» وعدم مواجهة الأزمة بحقيقتها. وكانت الجزائر تحوز احتياطي صرف يقارب 200 مليار دولار في 2014، إلا أن الحكومة قامت بتسييره بالمنطق الاستهلاكي، ما أدى إلى تضاؤله إلى النصف، بينما لم تنجح المشاريع التي أطلقتها في رفع نسب النمو وتحقيق عوائد مالية للبلاد خارج مجال المحروقات.
ويرى الرئيس السابق لـ«حركة مجتمع السلم» (حمس) عبد الرزاق مقري، ثالثة القوى السياسية في البرلمان، أن «طبع العملة دون تغطية من إنتاج، لا بد أن يسبب من خلال طباعة الأوراق النقدية توافر كمية كبيرة من النقود الوهمية، تؤدي إلى طلب كبير على السلع يؤدي إلى تضخم أسعار البضائع فتنهار قيمة الدينار».
وتوقع مقري أن الجزائريين سيكتشفون «بعد فترة قليلة أنهم خدعوا وأن أحوالهم المعيشية صارت لا تطاق وأن الأفق أمامهم مسدود، ثم تنتقل الأزمة من الأفراد إلى المؤسسات بعد تعاظم التضخم فتعجز عن تحمل أعباء الأجور فترتفع معدلات البطالة، لتتحول الأزمة الاقتصادية إلى أزمة اجتماعية وتوترات خطيرة مفتوحة على كل الاحتمالات».
ويربط هذا السياسي في تحليله قرار الحكومة بأهداف سياسية «تتعلق بربح الوقت والهرب إلى الأمام إلى غاية مرور الانتخابات الرئاسية المقبلة، لاعتقادها بأن هذا الإجراء قد يسمح بالمحافظة على السلطة لمدة خمس سنوات (عهدة رئاسية كاملة) من خلال هذا التمويل المغشوش».
أما رئيس الحكومة الأسبق أحمد بن بيتور، فيرى أن الجزائر تمرّ بأزمة خانقة تتجاوز ما وقع في نهاية الثمانينيات. ويرى هذا السياسي الذي استقال من رئاسة الحكومة بعد خلافات مع الرئيس بوتفليقة في سنة 2001، أنّ الجزائر تعيش «عصر تراجع إنتاج النفط» الذي يمثل المورد الوحيد بالعملة الصعبة، وعلى هذا الأساس فإن احتياطاتها من العملة الصعبة «لن تتجدد ولن يكون بإمكانها الاستيراد في 2019». وفي ضوء قرار الحكومة، يتوقع بن بيتور «موجات تضخمية بـ4 أرقام مثل ما هو واقع في فنزويلا».
في الجانب المقابل، دافعت السيناتور نوارة جعفر، المنتمية إلى حزب «التجمع الوطني الديموقراطي» عن قرار الحكومة، ورأت أن برنامجها «بيّنَ بوضوح وبالأرقام الآجال والأهداف المتوخاة منه، فاللجوء إلى التمويل التقليدي الذي يحاول البعض التخويف من نتائجه، هو إجراء يندرج في سياق خريطة متعددة الأبعاد، تهدف في مجملها إلى استعادة توازن الموازنة في أجل أقصاه خمس سنوات». وفي مداخلتها أمام رئيس الحكومة (وهي تنتمي إلى حزبه)، أشارت إلى أنّ هذه المرحلة الخاصة تطلبت «إجراءات استثنائية».
وفي موقف وسط، يرى نواب «حزب العمّال» المحسوب على «اليسار»، أن الحلّ يكمن في «إصلاح المنظومة الجبائية في الدولة»، التي تُضيِّع على الجزائر مئات المليارات من «الدينار» عبر التهرب الضريبي، وأيضاً في ضرورة استعادة الدولة «التحكم في الاقتصاد»، خاصة أن حجم الكتلة النقدية المتداولة في السوق الموازية يعادل بحسب الحكومة 2700 مليار دينار.