حسابات شرق الفرات وغربه، والتي طالما ارتبطت باتفاقات خفض التوتر حول الرقة ومنبج، بين الروس والأميركيين، لم تنطبق على دير الزور، التي يرى فيها الجيش السوري والروس بعداً استراتيجياً لناحية أهميتها الجغرافية وترابطها مع العراق، وغناها الاقتصادي، ولعدم وضع أيّ حدود لتقدم الجيش السوري والحلفاء في جغرافيا البلاد.
فبعدما أنجز الجيش مهمة تأمين المطار وأقلعت الطائرات الحربية منه، وهبطت طائرتا شحن عسكريتان لأول مرة منذ 26 شهراً، نجح في العبور إلى الضفة الشرقية لنهر الفرات من محور الجفرة باتجاه حويجة صكر، بالإضافة إلى قرى في الضفاف الشرقية للنهر.
العبور الذي جاء رغم كل التصريحات الأميركية، وتحذيرات من «قسد» بتحوّل الجيش السوري إلى هدف مشروع في حال عبوره النهر، أنجزه الجيش أمس، وتمكّن من تركيز قوات له على الضفاف الشرقية لأول مرة منذ سنوات، متجاوزاً كل الخطوط الحمر السابقة. ويكتسب عبور النهر أهمية كبرى لتحويل كامل جغرافيا دير الزور منطقة عمليات للجيش، بالإضافة إلى تعزيز وجوده في الشرق السوري، بما يُكسبهُ ثقلاً عسكرياً في أيّ تسوية سياسية قادمة، وينهي إلى حدّ كبير سيناريوات التقسيم التي كانت تُرسم للبلاد، ويتيح الوصول إلى أغزر آبار النفط، التي تنتج أكثر من 40 في المئة من إنتاج البلاد.

تستبعد مصادر
ميدانية مقرّبة من «قسد» أيّ تصادم
مع الجيش

كذلك، فإن هذه الخطوة تُعبّر عن مدى القوة والثقة اللتين بات يتمتع بهما الحلف السوري ــ الروسي ــ الإيراني مع المقاومة اللبنانية، في تحديد أولوياته العسكرية، بغض النظر عن الجغرافيا، التي يعتبر الجيش أيّ بقعة من البلاد بشكل بديهي منطقة مشروعة لقواته.
وفي هذا السياق، أكدت مصادر أهلية وميدانية لـ«الأخبار» أنّ «الجيش وصل إلى قرى مرّاط ومظلوم على الضفة الشرقية بعد عبور نهر الفرات عبر جسر عائم»، في وقت أكدت فيه مصادر عسكرية أن «الجيش تمكّن من عبور الضفة الأولى لجزيرة حويجة صكر وسيطر على أجزاء منها، ويعمل على العبور إلى الضفة الثانية باتجاه الشرق نحو حطلة والبلدات المحيطة بها». وهو ما أكدته وزارة الدفاع الروسيّة، في بيان قالت فيه إن «القوات الحكومية السورية في دير الزور، اجتازت نهر الفرات، وتعمل على توسيع هجماتها في الضفة الشرقية». وأضافت أن «الاجتياز تم بدعم من القوات الجوية الروسية على جسور عائمة بنتها قوات الهندسة، وتم طرد داعش من عدة قرى في الضفة الشرقية للنهر».
وبدا لافتاً أن الجيش السوري والروس اتبعا أسلوب الإيهام والمباغتة في خطة عبور النهر، من خلال اختيار الاجتياز من محورين، فاعتُمد محور حويجة صكر كمحور للإشغال، في وقت كان فيه محور العبور نحو مرّاط ومظلوم هو الأهم، والذي نجح خلاله الجيش في التمركز في الضفة الشرقية. ويتوقّع أن يعمل الجيش على السيطرة على حويجة كاطع لاستكمال الطوق حول مدينة دير الزور، ويتابع عملياته بالاتجاهين الشمالي والشمالي الشرقي لدير الزور، للوصول إلى البصيرة والبلدات الشمالية، بالإضافة إلى البوكمال والميادين، والوصول إلى سلسلة الحقول النفطية والغازية، وأهمها حقول العمر والتنك، ومعمل غاز كونيكو.
وترسم السيطرة على حويجة صكر وحويجة كاطع، بعد إنجازها، طوقاً كاملاً للجيش يمتد من بلدة الصالحية في المدخل الشمالي للمدينة، وصولاً إلى مراط وخشام شرقها، ما يعني قطع الطريق على «التحالف» الدولي و«قسد» للوصول إلى الريف الشرقي، ما يرجّح سعيهم للتركيز على محور مركدة في ريف الحسكة الجنوبي، ومحاولة اختراق الريف الشرقي على الحدود العراقية من جهة الشدادي ومحيطها.
وتستبعد مصادر ميدانية مقرّبة من «قسد»، في حديث إلى «الأخبار»، أيّ تصادم مع الجيش، مؤكداً «تغليب لغة الهدوء وعدم التصعيد». وتضيف المصادر أن «هناك حرصاً روسياً ــ أميركياً على تنسيق الجهود ضد داعش، وعدم التصادم».
وفي السياق، نجح الجيش في توسيع نطاق سيطرته في الريف الغربي لمسافة تزيد على 30 كلم، بعد السيطرة على سلسلة قرى ممتدة على طول الضفاف الغربية لنهر الفرات، من حوايج أبو مصعة وشامية وأبو عرب، وعين أبو جمعة، وصولاً إلى الخريطة والشمطية. بالتوازي، تقدمت وحدات الجيش من تلة كروم وتلال الثردة، وسيطرت على ظهرة الموحسن وتلال حاكمة للمدينة، على بعد 7 كلم من الموحسن في ريف دير الزور الشرقي.