الجزائر | تحولت منطقة غرداية التي عرفت مواجهات دامية بين عرب مالكيين وأمازيغ إباضيين، أدت إلى مقتل 22 شخصاً، على الأقل، إلى منطقة عسكرية بعدما أمر الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، في اجتماع طارئ (عقد أول من أمس)، المؤسسة العسكرية بتحمل المسؤولية، مكلفاً قائد المنطقة العسكرية الرابعة (التي تتبعها ولاية غرداية)، الجنرال عبد الرزاق شريف، بـ»الإشراف على عمل مصالح الأمن والسلطات المحلية المعنية من أجل استتباب النظام العام والحفاظ عليه عبر ولاية غرداية» كاملة بعدما كانت قد تركزت أعمال العنف في القرارة الواقعة على بعد 120 كلم شمال شرق مدينة غرداية.
وإثر انتشار الجيش والدرك بقيادة عبد الرزاق شريف، بدأت حدة الفوضى تتراجع، إذ منذ الساعات الأولى من عملية الإنزال العسكري، شنت الأجهزة الأمنية حملة اعتقالات واسعة، وصفتها مصادر أمنية لـ»الأخبار» بأنها «ستكون صارمة وقاسية»، خصوصاً بعد تحديد بعض العناصر المتورطة والمحرضين على العنف عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وأيضاً الأطراف التي تقف وراء الأحداث. وعلمت «الأخبار» من مصادر رفيعة أن النائب العام أصدر أمراً باعتقال المدعو، أحمد سقلاب، والناشط كمال فخار، بصفتهما «المتهمين رقم واحد».
اعتقلت قوات الأمن
35 شخصاً للاشتباه في ضلوعهم بأعمال العنف

وفيما اعتبر الخبير الأمني، علي زاوي، بخصوص كمال فخار وأحمد سقلاب، أن «مصالح الأمن تمتلك أدلة لإدانتهما»، نقلت وكالة «الأناضول» عن مصدر أمني تأكيده أنّ قوات الأمن اعتقلت 35 شخصاً للاشتباه في ضلوعهم بأعمال العنف. وقال المصدر إنّ «قوات الأمن شنت صباح اليوم (أمس) حملة اعتقال في مدن غرداية، وبريان، والقرارة، بمحافظة غرداية، وأدت العملية إلى اعتقال 35 شخصاً، يشتبه في مشاركة أغلبهم في المواجهات المسلحة التي وقعت في مدينة القرارة من ليلة الثلاثاء وحتى الأربعاء الماضيين». وتابع: «كذلك شنت هذه القوة الأمنية منذ الساعات الاولى من صباح اليوم (أمس) حملة تفتيش في عدة أحياء بمحافظة غرداية للبحث عن أسلحة وهي عمليات متواصلة». ويُنتظر وفق نفس المصدر أن يحال الموقوفون إلى التحقيق القضائي بشبهة «حمل سلاح غير مرخص، والتجمهر المسلح، والتحريض على التجمهر».
وفي السياق، قال المحلل السياسي، رضا بودراع، إن «المنطقة أثقلت بالجراح لعقود نتيجة تأجيج الصراع المستمر، من قبل دوائر مستفيدة داخلياً وخارجياً». وأوضح: «داخلياً، إنّ رؤوس العشائر المتعصبة من الفريقين يظنون أن ذلك يحفظ لهم سؤددهم بين مريديهم»، مشيراً كذلك إلى أن «جهات في السلطة ترى أن التعامل الأمني مع الأزمة يضمن لها السيطرة على هذه المنطقة الاستراتيجية».
وتابع بودراع قوله إن «الأطراف المستفيدة خارجياً هي فرنسا بالدرجة الأولى التي عملت على إذكاء نكهة الطائفية بين الأمازيغ الإباضيين والعرب المالكيين، وذلك في محاولة لترسيخ صفتي الخوارج للإباضية والوهابية للمالكية، تماماً كما فعلت في الشمال الجزائري بترسيخ الباديسية والوهابية مقابل الصوفية». في هذا الوقت، كشفت تصريحات الوزير الأول، عبد المالك سلال، عن غضب الحكومة حيال ما يحدث لخطورته، وقال إن «الدولة الجزائرية وعلى رأسها رئيس الجمهورية، تتابع بكل اهتمام وعن قرب مجريات هذه الأحداث الأليمة وآثار هذه التصرفات غير المسؤولة، الغريبة عن مجتمعنا المسلم والمتسامح والمتشبع بروح التكافل والإخاء، اللذين تحلى بهما على مر العصور». وتابع قائلاً إن «الدولة ستكون بكل مؤسساتها بالمرصاد لكل من تسول له نفسه المساس بأمن وسلامة مواطنيها، ولكل من يحاول المساس بوحدة البلاد واستقرارها، ومن يحاول عرقلة ما تحقق من مكتسبات على جميع الصعد»، مشدداً على أن «الدولة ستسهر على إرساء مقومات العدالة بكل صرامة وتحقيق كل ما من شأنه ضمان السلم والأمان». وفيما يشير تصريح الوزير الأول إلى أن هناك أطرافاً خارجية تلعب على أوتار العرقية والمذهبية في الجزائر بغية زعزعة الاستقرار، يقول لـ»الأخبار» المحلل السياسي، رضا بودراع، إن «دماء غرداية رسالة من فرنسا وشركاتها النافذة في الجزائر»، مشيراً إلى أن «ما حدث في غرداية افتعلته يد جزائرية تابعة للأجندة الفرنسية، كرسالة واضحة للجزائريين وخاصة أهالي الجنوب». وربط بودراع بين الأحداث المأساوية الحالية والمعارضة الشعبية الواسعة، سابقاً، ضد محاولات استخراج الغاز الصخري. وبرغم الهدوء المختلط بالدم وبالحزن والخراب، الذي يسود غرداية، والانتشار الواسع والكثيف للعسكر، إلا أن الأنظار تترقب ما سيحدث في الساعات المقبلة، إذ بقدر ما يتمنى الجميع عودة مظاهر التعايش والتسامح لغرداية (ولو أن الأمر بات شبه مستحيل بعد نزف الدم)، يتخوف الساسة والسلطة من أن تشكل الأحداث باباً للتدويل في الجزائر. وكان وزير الداخلية الجزائري، نور الدين بدوي، قد توجه إلى المكان بعد زيارة سابقة يوم الجمعة، حيث حاول من دون جدوى جمع الطرفين. وتوجد خلافات عديدة، خاصة بشأن أملاك بين العرب والأمازيغ الذين يتعايشون معاً منذ قرون، في وقت يبدو فيه أنّ حركة التمدين الكثيفة التي تلت وصول سكان جدد تهدد أيضاً التوازن الديموغرافي.
وتعتبر الاشتباكات الحالية الأسوأ مقارنة بما حدث خلال السنوات القليلة الماضية. وكانت قد اندلعت أعمال عنف مماثلة في المنطقة العام الماضي، أدت إلى مقتل شخصين على الأقل، فيما قتل خمسة أشخاص في العام السابق.