القاهرة ــ الأخباريواصل وزير الأوقاف المصري، محمد مختار جمعة، محاولة إحكام السيطرة الحكومية على المساجد والزوايا الصغيرة التي تنتشر في أرجاء «المحروسة». سيطرة تبدو «مشروعة» بعد استبعاد الأئمة المثيرين للجدل والمحسوبين على التيارات الإسلامية التي باتت مرفوضة رسمياً وشعبياً بصورة كبيرة، ويقبع عدد كبير من أعضائها خلف القضبان، فيما توارى آخرون عن المشهد تجنّباً لمصير مشابه لأقرانهم.

هذه الخطوة تأتي مكمّلة لأخرى سبقتها قبل شهور، حينما أقرّ جمعة نظام الخطبة الموحدة الذي يتضمن توحيد مضمون «خطبة صلاة الجمعة» على مستوى مصر، وهو القرار الذي واجه اعتراضات وانتقادات في البداية، خاصة من جانب مؤسسة الأزهر، لكنه دخل حيّز التنفيذ الفعلي مع تعديلات طفيفة عليه؛ فبدلاً من إلزام الأئمة بإلقاء نص الخطبة، اكتُفي بالسماح لهم بالحديث في مضمونها. والآن، ثمة ردّ فعل إيجابي في أروقة الدولة على «الخطبة الموحدة»، التي بدا أنها تتّسق مع ما دعا إليه الرئيس عبد الفتاح السيسي بشأن تجديد الخطاب الديني وتأهيل الأئمة.

تقرّر أن تكون
الدروس الدينية وتحفيظ القرآن في المساجد الكبيرة



ويوجد في مصر تقريباً نحو 16 ألف مسجد وزاوية صغيرة للصلاة، تعاني غالبيتها من مشكلة غياب عدد كافٍ من الأئمة، ولا سيما في ظل ضعف الرواتب وانشغال الأئمة المعيّنين في المناطق النائية بأعمال أخرى، إلى جانب مهمتهم الأساسية في المسجد، ما أدى ببعضهم إلى توكيل أحدٍ من أهالي المنطقة بمهمة إمامة المصلين.
كذلك، تسبّب خروج جماعة «الإخوان المسلمين»، التي صنفتها الحكومة على أنها إرهابية، من المشهد الديني في نقص في الدور الخيري الذي كان يُؤدّى عبر المساجد، خاصة أن الدولة لم تقدم بديلاً حتى الآن، ما أثّر في العائلات الفقيرة التي كانت تقصد أنشطة الجماعة الخيرية وتستفيد من الأدوية والإعانات المادية والعينية.
رغم هذا، يبدو وزير الأوقاف سائراً في الطريق الذي ترغب فيه الدولة، وذلك بعودة «الإسلام الوسطي» إلى المساجد ومنع تحولها إلى «بؤر تخرّج أصحاب الفكر المتطرف»، أي بما يحوّلها، كما يرى أصحاب القرار، إلى أماكن للعبادة فقط. والآن القرار الجديد يتعلق بمنع إنشاء زوايا صغيرة أسفل العقارات المخالفة إلا بترخيص، وكان الهدف منها منع هدم تلك العقارات، أو حتى استغلال زوايا الصلاة للحصول على المياه والكهرباء من دون دفع أموال، وهي الإجراءات التي عدّلتها الوزارة أخيراً وباتت تجبي مقابل الخدمات.
وجمعة، الذي دخل في صدام مباشر مع شيخ الأزهر أحمد الطيب، أعلن أيضاً وقف السماح ببناء أي زاوية جديدة للصلاة، على أن يقتصر دور الموجود منها حالياً على أداء الصلاة فقط. أما الدروس الدينية وتحفيظ القرآن، فسيكون مكانهما المسجد الجامع، مشيراً إلى أنه طالب المحافظات بذلك. وفي تبرير القرار، شرح الوزير أن «الزوايا استغلت خلال العقود الماضية في تجنيد أطفال لمصلحة الجماعات الإرهابية ولنشر الأفكار المتطرفة».
وحتى الآن، لا تزال وزارة الأوقاف تعترف بعجزها عن السيطرة على جميع الزوايا، بسبب بعض الانتقادات التي طاولت إغلاق عدد محدود منها كانت بلا ترخيص، لأن ذلك في النهاية يعني إغلاق مكان للصلاة وما يحمله من معانٍ في مجتمع محافظ. في الوقت نفسه، يستغل بعض المتشدّدين فكرياً تواريهم عن الأعين في الزوايا من أجل انتقاد الأمن. كذلك ثبت أن بعضها شكّل بالفعل مراكز لخروج أشخاص تورطوا في عمليات ضد الدولة، من بينهم منفذ تفجير كنيسة طنطا في نيسان الماضي، خاصة أن جزءاً كبيراً منها منتشر في القرى والضواحي الفقيرة والأضعف في مستوى التعليم.
وبينما تمضي وزارة الأوقاف في هذه الإجراءات، يحاول الأزهر اللحاق بركب «التجديد» الذي طالب به السيسي، ويبدو أنه يعمل حالياً على تعديل مناهجه الدينية ومراجعتها بالتدريج، خاصة أنه لا يريد الصدام مع بعض القيم الراسخة في المجتمع منذ سنوات.





فشل في الترويج الإلكتروني

رغم محاولة المؤسسات الدينية المصرية مواكبة التطور التكنولوجي، وفي ظل وجود الشباب في مواقع التواصل الاجتماعي بصورة كثيفة، فإن المنصات التي أطلقت حتى بعدة لغات ويشرف على بعضها «الأزهر الشريف»، لا تزال تواجه جموداً في التعامل مع متابعيها، رغم تأكيد المسؤولين بمختلف مناصبهم دور صفحاتهم في نشر «المفهوم الصحيح للإسلام ومواجهة الخطاب المتطرف للجماعات الإرهابية».
وزاد أخيراً حذف صفحة «دار الإفتاء» عبر «تويتر» التدوينات التي ينشرها متابعون خاصة في ما يتعلق بدور المرأة وفرض الحجاب، وهي التدوينات التي تخلق حالة من الجدل، فيما يلجأ مسؤولو الصفحات إلى حظر المعارضين لهم والمعلقين المنتقدين للمواقف الرسمية. وإن كانت منصات الأزهر هي الأقل تفاعلاً مع المتابعين، فإن صفحات «الإفتاء» هي الأكثر إثارة للجدل، خاصة أنها اضطرت إلى حذف أكثر من تدوينة تسبّبت في توجيه اتهامات إليها بالطائفية.