ديرالزور | لم يكن قائد «الفرقة 17» في الجيش السوري، اللواء حسن محمد، يقصد رفع المعنويات فقط حين نقل إلى الضباط والمقاتلين المرابطين في مطار دير الزور العسكري والأحياء الشرقية المحاصرة منذ تسعة أشهر تقريباً رسالة الرئيس بشار الأسد، المبشّرة بقرب فكّ الحصار عنهم. فخطى العمليات العسكرية تسير بسرعة وثبات، وجميع المؤشرات توحي بأن الأيام القليلة المقبلة سوف تشهد كسر طوق «داعش» عن المطار وعن تلك الأحياء، للتفرغ لمعارك تحرير أحياء المدينة الباقية، وريف المحافظة.
في داخل الدير، تدلّل سرعة تشكيل غرف العمليات المشتركة بين القوات الروسية والسورية، وكثافة الآليات والعتاد والذخيرة المستقدمة عبر الشريان المفتوح حديثاً، أن الحسم في كامل المحافظة قد لا يكون بعيداً. وتوحي بأن المعركة لن تتوقف حتى إنهاء «داعش» في كامل جغرافيا دير الزور، مع احتمال تمدد عمليات الجيش إلى الضفة الشمالية (الشرقية) من نهر الفرات.
أصوات الطائرات الحربية وقذائف المدفعية التي لا تهدأ سوى دقائق معدودة، تشي بالخطط السريعة المعدّة للمعركة. والطريق بين الرصافة ودير الزور (الذي يمر عبر اللواء 137) هو أكثر نقاط الريف سخونة اليوم، تحضيراً لهذه المعركة التي سيستخدم الجيش فيها ثقلاً ميدانياً كبيراً، يفضي إلى نتائج سريعة من شأنها أن تقصّر عمر الإرهاب في الشرق.
وفي اتّساق مع تلك المعطيات، أكد مصدر عسكري في حديثه إلى «الأخبار» أن «أولويات الجيش حالياً هي فكّ الحصار عن باقي المناطق المحاصرة، وتوحيد الجبهة معهم للتفرغ لعمليات كبيرة وخاطفة، وذات أثر استراتيجي كبير». وأضاف أن «كل الخيارات مفتوحة حيث سيتم تطويق أحياء المدينة التي يسيطر عليها «داعش»، وتطهيرها قبل الانطلاق نحو معاقل التنظيم شرقاً». وشدد المصدر على أن «فكّ الطوق عن دير الزور كان خطوة استراتيجية... وهي بوادر نصر حقيقي سوف يكون له انعكاسات سياسية مهمة خلال فترة قريبة».

آليات برمائية وجسور عسكرية متنقلة للاستعداد لخوض تحدّي عبور الفرات


ومع ارتفاع زخم المعارك ضد التنظيم وتعالي الأسئلة حول الخطط الأميركية المتوقعة لشرق الفرات، جاء استقدام الجيش لعتاد يتضمن زوارق حربية وآليات برمائية وجسوراً عسكرية متنقلة، ليكرّس استعداد دمشق لخوض تحدّي عبور الفرات. وهو ما قد يتخذ طابعاً تكتيكياً في البدء، إلى حين تثبيت السيطرة على الضفة الجنوبية، إذ قد يتضمن عمليات التفاف وإنزال خلف خطوط «داعش». وتعلق مصادر ميدانية على هذه النقطة بالقول إن «العمليات العسكرية لن تكون محدودة. وقد تكون كامل جغرافيا دير الزور مسرحاً لها. وهو أمر طبيعي في أي أرض سورية محتلة من الإرهاب». وأوضح المصدر أن «مقاتلي الجيش باتوا يملكون إمكانات مهمة وأساليب قتال متنوعة، من بينها الإنزالات الجوية. لذلك، تبقى المعركة في الدير مفتوحة على كافة الاحتمالات» .
وعلى الأرض، نجح الجيش وحلفاؤه أمس في التوسع على طول الطريق الرئيسي بين السخنة ــ دير الزور، ووصلوا إلى أطراف بلدة الشولا، عقب تأمين كباجب أول من أمس. وتزامن هذا التقدم مع توسيع الجيش لمناطق سيطرته في محيط «اللواء 137» بمساحة وصلت إلى ما يقرب من 15 كيلومتراً مربعاً. وسيطر الجيش على جسر الرقة ومحطة الغاز، خلال العمليات التي يركز خلالها على محور البغيلية على المدخل الغربي للمدينة.

قوافل الحياة تصل

سريعاً، يركض الأطفال خلف قافلة المواد الغذائية التي وصلت عصر الخميس إلى المدينة، كمن يلهث وراء حلم قارب التحقّق. ينادي محمد (عشر سنوات) عالياً «أجا الأكل، أجا الأكل»، فيتداخل صوته مع صيحات رفاقه، لتكشف عن رغبات وأمنيات باتت أمراً واقعاً. جميع من في دير الزور لم يأكل الفاكهة منذ نحو ثلاثة أعوام. وهذا ما استجلب وعوداً حكومية عديدة بإغراق الأسواق وتعويض المدنيين عن وجع الحصار، الذي مسخ أحلامهم إلى «كأس ماء بارد» كمثال.
محافظ المدينة، محمد إبراهيم سمرة، أكد في تصريح إلى «الأخبار» أن «الحكومة استنفرت وزاراتها لتأمين الخدمات للمدينة، وإيصال كل ما يلزم من احتياجات للمدنيين». وأوضح أن «وصول ثلاثين شاحنة مساعدات هو بداية لقوافل كثيرة ستدخل دير الزور، بهدف إعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل الحصار». الشاحنات الثلاثون وصلت أمس محمّلة بمواد غذائية جهّزتها المؤسسة السورية للتجارة، وبمواد طبية رئيسية، على أن يليها اليوم وصول 35 شاحنة من الهلال الأحمر السوري، وقوافل أخرى تنتظر فتح الطريق الرئيسي من جهة السخنة.