الجزائر | ارتفعت حصيلة ضحايا المواجهات الدامية التي اندلعت منذ يومين في منطقة غرداية جنوب الجزائر، إلى 22 قتيلاً وعشرات الجرحى، إضافة إلى خسائر كبيرة في الممتلكات، الأمر الذي استدعى توجّه وزير الداخلية، نور الدين بدوي، إلى المنطقة، وإعلان حالة استنفار أمني استعداداً لمنح الجيش بطاقة "تسيير الأزمة".وإزاء التطورات، ذكرت وكالة الأنباء الجزائرية أنّ "رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة عقد اليوم (أمس) اجتماعا طارئاً، خُصص لدراسة الأوضاع السائدة في ولاية غرداية... و(حضره) الوزير الأول عبد المالك سلال ونائب وزير الدفاع الوطني قائد أركان الجيش الوطني الشعبي الفريق أحمد قايد صالح ووزير الدولة مدير الديوان برئاسة الجمهورية أحمد أويحيى". فيما ذكر مصدر لـ"الأخبار" أنّ "الرئيس بوتفليقة أمر المعنيين بتجنيد كامل الإمكانات المادية والبشرية لوضع حد للفتنة ولأعمال العنف".

وتجددت المواجهات في المنطقة المعروفة بسكانها العرب والأمازيغ، المنقسمين بين المذهبين المالكي والإباضي، بشكل مفاجئ ومن دون سابق إنذار. لكن المتابعين يرون عكس ذلك، على اعتبار أنه خلال كل شهر رمضان تحدث مواجهات عنيفة، فيما يبدو أنّ الاشتباكات هي الأسوأ خلال السنوات القليلة الماضية.
وما يمكن الإشارة إليه في المواجهات الحاصلة هذه المرة، أنه تم استعمال الأسلحة النارية، ما جعل حصيلة القتلى والجرحى ترتفع بشكل سريع، في مشهد مأسوي تكشف خطورته دعوة عدد من أعيان المنطقة وعقلائها إلى "التحلي باليقظة والحكمة"، في بيان جاء تحت عنوان "لا لاستهداف الجزائر". وطالب البيان وزير الداخلية بتجسيد وعده الذي قطعه قبل أيام قليلة، بالتصدي بصرامة "لمثيري العنف".
وفي خضم ما يحدث، يتخوف الجميع من أن تتحول القضية إلى قضية دولية تحت شعار حماية الأقليات، وقد سارعت الطبقة السياسية للتدخل في محاولة منها لإيجاد حل، أو على الأقل، للتهدئة.
وفي جانب المعارضة السياسية، ناشدت "حركة مجتمع السلم" السلطات الرسمية في البلاد القيام بواجبها ووقف الاقتتال في ولاية غرداية، داعية سكان المنطقة، جميعاً، الظالم منهم والمظلوم، إلى الابتعاد عن ردود الفعل، وترك المجال مفتوحاً للعقل والتروي، وأن يراعوا حرمة الدماء وحرمة الشهر وأن يعلموا بأن الجميع خاسر في هذه الفتنة.
وتراوحت نسبة التخوف بين فاعل سياسي وآخر، ما برز، مثلاً، في توجه "حزب طلائع الحريات" لزعيمه رئيس الحكومة الأسبق، علي بن فليس، إذ حذر المتحدث الرسمي باسمه، أحمد عظيمي، من مخاطر استمرار الوضع لأنه سيؤدي "في القريب العاجل، إلى التدخل الدولي". وتساءل "ألا يكفي هذا العدد من القتلى والجرحى لينتقل الرئيس (الجزائري) إلى هناك ويبقى هناك حتى يجد الحل؟ من حقي كمواطن أن أطالب بقايا السلطة بإيجاد حل لمأساة غرداية".
من جهة أخرى، اعتبرت "رابطة حقوق الإنسان" أن ما يحدث لا علاقة له بالعرب والأمازيغ أو المالطية والإباضية بحسب "ما يتم الترويج له من جهات معروفة بأن المشكل طائفي وعرقي"، داعية السلطة إلى العمل على كشف من يؤجج الفتنة بين أبناء المنطقة.
ووسط أعمال العنف والتخوفات، خرج أمازيغ المنطقة عبر شوارع مدن جزائرية في مسيرات سلمية تنديداً بالعنف الذي تعرفه غرداية. وحضرت "الأخبار" مسيرة العاصمة، حيث صرخ المحتجون بصوت واحد "لا للإرهاب"، و"من المستفيد من خراب غرداية؟!"، و"الجزائر قوية بوحدة شعبها"، و"الوحدة لولاية غرداية ولا للتقسيم"، رافعين، أيضاً، شعار "نطلب الحماية من الجيش وفقاً للدستور الجزائري".
واعتبر أعيان، من المذهبين المالكي والإباضي، أن العنف في منطقتهم أصبحت تقوده جماعات منظمة وبات خارجاً عن نطاق الاختلاف، ما يستدعي تدخل الدولة. وفي حديث إلى "الأخبار"، قال ممثل عن أعيان السكان المالكيين، عامر بوحفص، إن "ما يحدث يستدعي تدخلاً صارماً من الدولة بعصا قانونية، لأن هذا العنف الفظيع لا يجب مواجهته بخطابات التهدئة والتعقل كما كان سابقاً"، مضيفاً إن "العنف الحالي أصبح منظماً وتقوده جماعات منظمة وتنطلق بمخططات سابقة تُنفذ بإحكام في حق المواطنين الأبرياء لضرب استقرار المنطقة".
بالتوازي، طالب أحمد بن صالح، وهو ممثل عن أعيان القرارة، في حديث إلى "الأخبار"، "الدولة بتوفير الأمن لسكان غرداية بصفة عامة، ودائرة القرارة، التي لا تزال تحت الصدمة، بصفة خاصة". وتابع قوله "ونطالب بأن تكون دولة القانون وتطبيق العقاب والابتعاد عن سياسة اللاعقاب... العنف في غرداية ليس طائفياً بين المذهبين الإباضي والمالكي، اللذين عاشا متساكنين منذ أكثر من 4 قرون".
وفي السياق، عبرّ المحامي المتخصص في قضايا الإرهاب، مروان عزي، عن مخاوفه من استمرار العنف في منطقة غرداية، مؤكداً أن "ما يحدث في هذه المنطقة يعتبر انزلاقاً خطيراً لا يمكن أن نتحمل تبعاته". وأضاف إنّ "ما يجري في غرداية عنف لا عنوان له، لأن الأمر لا يتعلق بحركات مطلبية، وإنما هو مخطط لضرب استقرار الجزائر"، متسائلاً: "ماذا يريد المتقاتلون في غرداية؟".