أربيل | يبدو أن «التهدئة» السارية بين الحكومة العراقية وحكومة إقليم كردستان تتجه نحو الانفجار نتيجة «تفرد» الأخيرة في قرار بيع نفط أربيل وكركوك دون العودة إلى بغداد، الأمر الذي يعتبر مخالفاً لاتفاق النفط الموقع بين الطرفين. الخطوة من شأنها أن تجدد الأزمة السياسية بين الطرفين ستكون شبيهة بما حصل العام الماضي بعدما قررت حكومة نوري المالكي عدم إرسال ميزانية الإقليم كرد فعل على بيع أربيل نفطها دون إشراف بغداد وعدم إرسال العائدات المالية إلى بغداد. مصدر موثوق في حكومة الإقليم كشف لـ«الأخبار» أن أربيل منذ بداية شهر تموز لم تسلّم بغداد أي قطرة نفط، وقامت بتصدير نفط الإقليم وكركوك بشكل مستقل.

وتأتي خطوة أربيل التي تعتبر إعلاناً ضمنياً من حكومة الإقليم لتعليق اتفاق النفط الموقع مع الحكومة العراقية أُحادياً، لتضاف إلى ما أعلنته وزارة الثروات الطبيعية في حكومة الإقليم يوم الخميس الماضي عن بيع نفط الإقليم بشكل مستقل عن طريق أنابيبها نفطية الممتد إلى تركيا وانخفاض معدل بيع نفط الإقليم عبر شركة تسويق النفط العراقي المعروف بـ«سومو» في شهر حزيران الماضي.
خطوة أربيل يتوقع أن
يقابلها إقدام بغداد على عدم إرسال ميزانية الإقليم كاملةً

ويتعبر الانخفاض إجراءً مخالفاً للاتفاق النفط الموقع بين بغداد وأربيل أواخر العام الماضي والذي نص على التزام إقليم كردستان بيع نفطه بمعدل 250 ألف برميل يومياً و300 ألف برميل من النفط المستخرج من حقول كركوك عبر أنابيب الإقليم الممتدة حديثاً إلى تركيا عبر شركة «سومو» وأن تعود العائدات المالية للنفط المباع إلى خزينة الحكومة الاتحادية بشرط أن تصرف الميزانية الشهرية للإقليم والميزانية الاستثمارية من قبل المركز.
وبحسب بيان وزارة الثروات الطبيعية، قامت حكومة الإقليم بتصدير أكثر من 17 مليون برميل في الشهر الماضي بينهم أربعة ملايين بريمل فقط عبر شركة «سومو». وفيما كانت أغلبية نفط كركوك تصدر عبر الحكومة العراقية، باع الإقليم الشهر الماضي قرابة 13 مليون برميل من نفط كركوك المنتج بدون الرجوع إلى «سومو»، كما لم يبع سوى 130 ألف برميل من نفط الإقليم عن طريق بغداد فيما كانت النسبة تبلغ سابقاً أكثر من 200 ألف برلميل يومياً أي ما يعادل تقريباً ما بين خمسة ملايين إلى ستة ملايين برميل شهرياً، وكانت بغداد تحصل على عائداتهم. وبررت وزارة الثروات الطبيعية الخطوة بأنها تساعد الحكومة على سداد الديون المتراكمة على الإقليم منذ عام 2014.
موقف حكومة حيدر العبادي، التي وقعت الاتفاق النفطي مع أربيل، تجاه الخطوة الجديدة من الإقليم كان مرناً نوعاً ما مقارنة بحجم المشكلة وابتعد عن رد اعلامي صريح. واكتفى وزير النفط العراقي عادل عبد المهدي بالتشديد على ضرورة حل المشاكل النفطية مع الإقليم حسب قاعدة «لا ضرر ولا ضرار».
بدوره شدد النائب عن كتلة «دولة القانون»، أحمد بدري المقرب من العبادي على ضرورة اللجوء إلى الحوار يبن الطرفين لحل المشاكل المتعلقة ببيع النفط.
وأوضح بدري في حديث لـ«الأخبار» أنه «لا بد للإقليم من التزام الاتفاق الموقع مع الحكومة العراقية، لأن خرقه سيكون لها آثار سلبية على الوضع الحالي للعراق».
من جهته، شدد رئيس حكومة الإقليم، نيجيرفان البرزاني، أمس، على أن خطوة حكومته لا تحقق استقلالاً اقتصادياً للإقليم، مطالباً بمراجعة الاتفاق النفطي مع بغداد، وكاشفاً عن رغبة الإقليم في توقيع اتفاق نفطي آخر، لأن حكومته تسعى إلى توفير الرواتب واحتياجات الإقليم مقابل ذلك النفط. فيما شدد عضو لجنة الطاقة في برلمان إقليم كردستان، فائق مصطفى، على أن بيع نفط الإقليم بشكل مستقل أمر لا مفر منه كخطوة إجبارية لملء العجز المالي الحاصل في الإقليم.
ولفت مصطفى في حديث لـ«الأخبار» إلى أنّ «من المنتظر أن تصرف حكومة الإقليم رواتب موظفيها من عائدات النفط فيما كانت من قبل تبيع نفطها من طريق سومو ولا تصرف ميزانيتها كاملةً من قبل بغداد».
لكن المحلل السياسي، بشتيوان أحمد، يرى في خطوة الإقليم «مجازفة كبيرة». وأشار أحمد إلى أن «حكومة الإقليم خدعت الأطراف السياسية الكردية بخطوتها الأخيرة بعدما كانت قد اتفقت معهم في الشهر الماضي على المضي قدماً في الاستمرار بإجراء حوارات مع بغداد حول مشكلة تصدير النفط».
خطوة الإقليم يتوقع أن يقابلها إقدام بغداد على عدم إرسال ميزانية الإقليم كاملةً ما يزيد من الأزمة المالية في الإقليم. ويتوقع عضو لجنة النفط والغاز في برلمان العراقي عن قائمة «تغير الكردية»، كاوه محمد، أن ترسل بغداد ما بين 100 مليون إلى 150 مليون دولار من ميزانية الإقليم لشهر تموز فيما كانت ترسل في الأشهر الماضية أكثر من 400 مليون دولار، وكانت حكومة الإقليم تحتج مراراً على المبلغ المرسل وتعتبره قليلاً ولا يتطابق مع نسبة النفط المصدر من الإقليم من طريق «سومو». وشدد محمد في حديث لـ«الأخبار» على ضرورة أن يبدأ الطرفان في مفاوضات بينهما لحل هذه الإشكالية. لكن يبدو أن حكومة الإقليم غير راغبة حالياً في حل الأزمة عبر التفاوض مع بغداد. المتحدث باسم الحكومة، سفين دزيي، كشف في حديث لـ«الأخبار» أن «لا نية لحكومة الإقليم في الوقت الحالي بإرسال وفد تفاوضي إلى بغداد لبحث هذه المشكلة». وإضافة إلى خطوة بيع النفط بشكل مستقل، علمت «الأخبار» من مصادرها الموثوقة، أن حكومة الإقليم أبرمت اتفاقاً مع إحدى الشركات الأجنبية الكبرى لبيع نفطها التي تصدره. وبحسب المصادر، من المنتظر أن تبلغ العائدات المالية لبيع النفط بحلول منتصف هذا الشهر أكثر من ثمانمئة مليون دولار.