الجزائر | صدقت التوقعات بمغادرة عبد المجيد تبون الوزارة الأولى (رئاسة الوزراء) في الجزائر، بعد الأحداث الكثيرة التي عاكسته خلال مدة توليه القصيرة زمنياً. وهو تعرض منذ البداية، خاصة بعد اتخاذه عدداً من القرارات الجريئة، لحملة إعلامية نالت منه، وقبل إقالته بأسبوع، نُشر توبيخ منسوب إلى الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، يحمل لغة شديدة، تؤدبه بقسوة، وتتهمه بـ«التحرش» برجال الأعمال.
وكان تبون قد أظهر في الخطاب الذي قدّمه أمام البرلمان، أثناء عرضه مخطط الحكومة بعد شهر على تنصيبه، عزماً على محاربة المال السياسي، والعمل على فصل المال عن السلطة، وهي كلها نيات تتقاطع مع ما يدعو إليه سياسيون في المعارضة، من ضرورة وضع حد لتغلغل المال في مؤسسات الدولة. فيما نقلت وكالة «رويترز» عن مصدر أنّ «تبون اعتُبر أيضاً مخالفاً للسياسة الخارجية التي تُعدُّ حكراً على الرئاسة بعدما عقد اجتماعاً مع رئيس الوزراء الفرنسي إدوار فيليب، في وقت سابق هذا الشهر».
وفي تصريح صحافي لوكالة «فرانس برس»، اعتبر أستاذ العلوم السياسية في الجزائر رشيد تلمساني، أنّ تبون «حاول المساس بمصالح» بعض المنتمين إلى «الطبقة الأوليغارشية المحيطة بالرئيس مثل (رجل الأعمال) علي حداد». وأضاف أنه «في سياق الصراع بين مراكز القوى، فإنّ المجموعة الرئاسية التي تضم السعيد بوتفليقة (شقيق الرئيس) ورئيس الاتحاد العام للعمال (نقابة رسمية) عبد المجيد سيدي سعيد، أظهرت تضامنها مع علي حداد، متحديةً رئيس الوزراء». وبينما رأى تلمساني أنّه بقرار إقالة تبون «فقد كسبت (تلك المجموعة) معركة أخرى»، قال الأكاديمي رشيد جريم، إنّ «تبون ارتكب خطأ الاعتقاد بأنه كان محمياً» من قبل بوتفليقة.
من جهة أخرى، فعلى الرغم من «الصدمة» التي أثارتها تنحية تبون بتلك الطريقة، إلا أن لا أحد كان ينتظر إعادة أحمد أويحيى إلى المنصب، بعدما غادره عام 2012 حين تقرر إبعاده من الحكومة، ولم يُستعَن بخدماته من جديد إلا في إطار تمرير مشروع الولاية الرابعة للرئيس بوتفليقة في 2014.

تُعدُّ إقالة عبد المجيد تبون الأسرع في تاريخ الجزائر المستقلة

ومع أن الجزائر في عهد الرئيس بوتفليقة، اعتادت مثل هذه التغييرات في الحكومات، إلا أن هذه الإقالة توقَف عندها الكثيرون، طارحين أسئلة من زوايا جديدة، لكون الأمر يتعلق بأسرع عملية إنهاء لمهمات وزير أول في تاريخ الجزائر المستقلة.
ووفق تفسيرات المعارضة، يكشف ما جرى وجود «تخبط» في اتخاذ القرار على مستوى رئاسة الجمهورية. وتتفق معظم التحليلات في هذا الجانب على أن مرض الرئيس بوتفليقة المستمر منذ أيار/ماي 2013، قد أدى إلى حالة من الضعف في مؤسسة الرئاسة بدليل كثرة التعديلات في السياسات والحكومات التي حدثت منذ ذلك التاريخ، وهو ما دفع ناشطين إلى المطالبة بتطبيق المادة الدستورية الخاصة بإعلان شغور السلطة وتنظيم انتخابات رئاسية مبكرة.
وفي هذا السياق، اعتبرت «حركة مجتمع السلم ــ حمس» (الإخوانية)، وهي أكبر قوة معارضة في البرلمان، أنّ «تنحية عبد المجيد تبون بعد فترة وجيزة جداً من تعيينه وتصديق البرلمان على برنامجه، واستبدال أحمد أويحيى به، تدل على تخبط النظام السياسي وفقدانه للتوازن». ووصفت «حمس» الإقالة بأنها «انقلاب أبيض» على تبون وعلى برنامجه الذي نصّ على فصل السياسة عن المال والذي صدّق عليه نواب الأغلبية التي ينتمي إليها رئيس الحكومة الجديد.
وسجّلت الحركة المحسوبة على التيار الإسلامي أنّ ما جرى يكشف أن «ثمة تأثيراً خارجياً... على القرار السيادي للدولة». وفي هذا السياق، أُثير أن القرارات التي اتخذها تبون الخاصة بمنع استيراد عشرات المواد، قد جلبت سخط الشركاء الاقتصاديين الدوليين المؤثرين، وعلى رأسهم فرنسا التي تُعَدّ أهم المتعاملين الاقتصاديين مع الجزائر.
وفي هذا الجانب، طرح «حزب العمال» ذو التوجه اليساري، إشكالية مصير القرارات التي اتخذها تبون قبل رحيله، خاصة بفصل المال عن السياسة، وتطهير الاقتصاد الوطني، ومكافحة نزف العملة، واسترداد الأصول والأموال المهربة والحفاظ على الأفضلية الوطنية في كل استثمارات خارجية تقام بالجزائر، فضلاً عن قراراته بإلغاء تجميد المشاريع والتوظيف في الخدمة العامة، والحفاظ على المؤسسات العامة وتعزيز خدماتها.
أما المرحبون بتعيين أويحيى، فقد اعتبروا أن مجيئه أنهى ثلاثة أشهر من «اللااستقرار» في عمل الحكومة، وهو رأي تقاسمه «التجمع الوطني الديموقراطي» (الحزب الذي ينتمي إليه أويحيى) وأيضاً «الحركة الشعبية الجزائرية». وحتى «حركة الإصلاح الوطني» المحسوبة على التيار الإسلامي رحبت بهذا التعيين، رغم ما يبديه الإسلاميون في العادة من تحفظ حيال أويحيى الذي يصفونه بـ«الاستئصالي» بسبب انحيازه إلى الحلّ الأمني في مواجهة الجماعات الإرهابية في فترة العشرية السوداء (سنوات الإرهاب في الجزائر التي بدأت عملياً عام 1993).
وتثير شخصية أحمد أويحيى وتوجهاته الكثير من الآراء المتضاربة، فهو يُعدُّ لدى أنصاره رجل دولة وأكثر المؤهلين لتولي مثل هذه المناصب، بينما يراه خصومه «سياسياً بلا مبادئ» يقبل كل مراكز المسؤولية التي تُمنح له، حتى إن اضطره الأمر إلى تنفيذ السياسات ونقيضها. وذهبت عدة تحليلات إلى اعتبار أنّ تعيينه في هذه الفترة يُعدُّ اختياراً آمناً بالنسبة إلى الرئاسة، إذ إنه من بين الذين اختبر الرئيس بوتفليقة ولاءهم منذ نحو 20 سنة، كذلك له خبرة واسعة في تسيير الأزمات، خاصة أن الجزائر مرشحة لاضطرابات اقتصادية واجتماعية كبيرة بسبب شح الموارد المالية.
في غضون ذلك، يمكن تعيينَ أويحيى «وزيراً أول» أن يزيد من أسهمه في الرئاسيات المنتظرة سنة 2019، خاصة أن هذا المنصب يضعه في الواجهة ويضمن له حضوراً ميدانياً وإعلامياً واسعاً. وبرغم أنّ مصير ترشحه إلى الرئاسة يرتبط بقرار الرئيس بوتفليقة، إذ سبق له التعهد بأنه لا يمكن أن يكون «في مواجهة مع الرئيس»، فإنّ الوضع الصحي لبوتفليقة، يُعقِّد كثيراً من مسألة ترشحه لولاية خامسة، وهو ما سيجعل هذه الرئاسيات وفق متابعين «مفتوحة أمام كل الشخصيات التي لديها طموح رئاسي، وأولهم أويحيى» الذي سبق له أن اعتبر أنّ «الرئاسيات هي موعد بين الرجل وقدره».