فرضت الأزمة الخليجية الحادة بين قطر وتحالف العدوان بقيادة السعودية نفسها على اليمن، ولا سيما في المحافظات الجنوبية، وأجبرَت كلاً من الرياض وأبو ظبي على تحييد خلافاتهما، وتعزيز العمل المشترك في ما بينهما، على الأقل في المرحلة الراهنة والمستقبل القريب، إذ إن الخلاف بين السعودية والإمارات من جهة وقطر من جهة أخرى بدأ يأخذ طابع العداء واستعصاء الحلول، وفشل الوساطات.
ولا تحتمل العاصمتان (الرياض وأبو ظبي) في إدارة الملف اليمني بكل جوانبه في الشمال والجنوب، العمل وفق الأجندة الخاصة بكل منهما في وقت تفتحان فيه صراعاً حاداً ومفتوحاً مع الدوحة. ولم يعد خافياً أن الدوحة انخرطت في الحرب على اليمن وفق أجندتها المستقلة، من خلال دعم بعض أجنحة «الإخوان المسلمين» المتجرأة على الخروج عن العباءة السعودية.
وتبعاً للتطورات، كان لزاماً على الدولتين إيجاد صيغة خلاقة تبعد عنهما كأس الاختلاف، فذهبتا إلى تقاسم الملف اليمني على كافة المستويات السياسية والأمنية والميدانية والإدارية. وعملت العاصمتان على إخضاع أعوانهما في الجنوب وإجبارهم على السير وفق خطة التعايش وتقاسم النفوذ، رغم أن أطراف الصراع المحليين في جنوب اليمن وصل الاختلاف بينهم حد الاقتتال وتعطيل عجلة الحياة الخدماتية والإنمائية لأسباب سياسية ومناطقية وشخصية. وفي هذا السياق عملت الإمارات على فرملة اندفاعة المجلس الانتقالي الجنوبي ووضعه على رف الانتظار، إلى حين توافر ظروف جديدة. واقتضى هذا «التقاسم» أن تتولى الرياض عبر «الشرعية» التي يمثلها الرئيس المستقيل عبد ربه منصور هادي، الملف الخدمي في الجنوب. وسريعاً عادت عجلة الإنماء والمرافق العامة، في خط بياني تصاعدي، لم يشهد له مثيلاً منذ سيطرة قوى التحالف على المحافظات الجنوبية.
وقد ذهل المواطنون الجنوبيون للتحسن السريع في التغذية الكهربائية وخدمات المياه والصحة والأشغال وتوفير الوقود وافتتاح العديد من المشاريع ذات الطابع الخدمي، بل تعدى ذلك إلى المباشرة في إعادة ترميم ما دمرته الحرب في عدن. وهذا ما يؤكد من جهة أخرى، ما ذهبت إليه المكونات الوطنية في الجنوب بأن الأزمات على كافة الصعد مفتعلة من قبل التحالف.
أما الجانب الإماراتي، فتولى مهمة حفظ الأمن وإنشاء فصائل عسكرية تعمل بإمرة أبو ظبي، شبيهة بقوات الحزام الأمني في المحافظات الغربية والنخبة الحضرمية في المكلا، والنخبة الشبوانية في أول انتشار لها في مديرية عزان في محافظة شبوة ضمن اتفاق مع تنظيم «القاعدة في شبه الجزيرة العربية». ولم يعد مستغرباً أن القاعدة في كل دول الإقليم وفي العالم تقاتل حتى الرمق الأخير، إلا في جنوب اليمن حيث تدخل القوات الإماراتية إلى مناطقها في استعراض عسكري ودعائي من دون إطلاق رصاصة واحدة عليها.
وجديد الإمارات في المحافظات الشرقية تجنيدها خمسة آلاف مقاتل من محافظة المهرة المجاورة لسلطنة عمان وإخضاعهم للتدريب في معسكر خالد في حضرموت، وذلك كدفعة أولى، على أن تليها دفعات أخرى، في محاولة واضحة لإزعاج سلطنة عمان في مجالها الحيوي.
ومن المهمات الأساسية للقوات الإماراتية عمليات التجنيد الواسعة للشباب الجنوبيين واستخدامهم كمرتزقة والزج بهم تحت مسميات مختلفة في جبهات الشمال.
من جهة أخرى، إنّ فصل القضايا بين الرياض والإمارات، والعمل ضمن تسوية تقاسم النفوذ وتحييد الخلافات، لا يعني أن القضايا الخلافية قد سُوِّيَت أو حُلَّت، بل هي على حالها. وفرض التعايش بين الدولتين (السعودية والإمارات) في الحرب على اليمن، رهن باستمرار الأزمة مع قطر.