مع استمرار الأزمة الخليجية مفتوحة على مصراعيها، من دون تسجيل أي تطور على مسار الوساطات والتسوية، تواصل قطر مواجهتها للحملة ضدها من طرف السعودية والإمارات، ومعهما مصر والبحرين، بواسطة ما يتضح مع الوقت أنه خطة متكاملة الجوانب، أعدّت بدقة في الدوحة أول أيام مقاطعة «الرباعي»؛
فبعد امتصاص الصدمة عقب اندلاع الخلاف، ومن ثم اتخاذ الإجراءات اللوجستية لتعويض إقفال المنافذ البرية، تدرّج القطريون في مراحل مدروسة لصدّ الهجمة، وانتقلوا من الدفاع إلى الهجوم الدبلوماسي، فالإعلامي، وتسخين الخطوط مع الأميركيين وإمضاء عقود تسليحية وأخرى مع جماعات الضغط والمؤسسات الاستشارية في واشنطن. وبمنسوب واضح من الثقة بنجاح المراحل السابقة، دشّنت الدوحة مرحلة جديدة عمدت فيها إلى تحرك قانوني واسع من خلال تقديم رزمة شكاوى ضد من تصفها بـ«دول الحصار».
وبعد الملف المقدم إلى منظمة الطيران المدني التابعة للأمم المتحدة (إيكاو)، وخطاب «اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان» المرسل إلى منظمة «اليونسكو» التابعة للأمم المتحدة، بشأن مناسك الحج، ومن ثم الشكوى المقدمة إلى منظمة التجارة العالمية ضد السعودية والإمارات والبحرين، تقدمت الدوحة أمس بشكوى إلى أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، وإلى مجلس الأمن الدولي، ضد مصر التي ترأس مجلس الأمن حالياً خلفاً للصين، متّهمة القاهرة بـ«استغلال عضويتها داخل المجلس لتحقيق أغراض سياسية خاصة... لا تمتّ بصلة لعمل مجلس الأمن ولجانه». وجاء في نص الخطاب المكتوب الموجّه إلى مجلس الأمن، أن القاهرة تقوم «بتوجيه اتهامات ومزاعم لا أساس لها من الصحة ضد دولة قطر».
ورفضت الدوحة «بشكل قاطع جميع الاتهامات المصرية التي أثبتت التقارير الدولية والمعلومات الاستخبارية العالمية الموثوقة وذات المصداقية أنها مفبركة، فضلاً عن أن الاتهامات تأتي في إطار الحملة المغرضة التي تستهدف دولة قطر، والتي تعدّ مصر جزءاً منها».
واتهمت الشكوى مصر بـ«استغلال رئاسة لجنة مكافحة الإرهاب بغرض تحقيق أهداف سياسية خاصة، ومحاولة تصفية حسابات مع دول معينة». وفي لهجة بدت تصعيدية، رأت قطر أن الحكومة المصرية تسهم «في تهيئة البيئة المواتية لانتشار الإرهاب والتطرف من خلال التذرع بمكافحة الإرهاب لتحقيق مآرب سياسية وشنّ عمليات عسكرية دعماً لأطراف في النزاعات بشكل ينتهك قرارات مجلس الأمن والقانون الدولي وحقوق الإنسان».
الشكوى القطرية الشديدة اللهجة كانت قد قدّمت نهاية الشهر الماضي، وكشف عن مضمونها أمس الأربعاء، وذلك بعد أن استبعد مندوب مصر الدائم لدى الأمم المتحدة عمرو عبد اللطيف طرح الأزمة مع قطر على طاولة مجلس الأمن خلال شهر آب الجاري، أثناء تولّي القاهرة لرئاسة المجلس.
في غضون ذلك، وفي وقت كانت تواصل فيه القوات القطرية مناوراتها العسكرية المشتركة مع القوات التركية، وقّع وزير الخارجية الإيطالي أنجيلينو ألفانو، ونظيره القطري محمد بن عبد الرحمن، في الدوحة، على صفقة بقيمة 5 مليارات يورو لتزويد قطر بقطع عسكرية بحرية. الإعلان عن الصفقة جاء على هامش زيارة الوزير الإيطالي لقطر، حيث التقى كلاً من الأمير تميم بن حمد، ووزير الخارجية، وجرى بحث ملفّي ليبيا والأزمة الخليجية. وأعلن ألفانو دعم بلاده للوساطة الكويتية والجهود الدبلوماسية المبذولة.

كلّف تيلرسون مسؤولَين رفيعَين العمل على
إنهاء الأزمة

وشدد ألفانو على أهمية المبادرة الجديدة لوزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون، الذي أعلن تكليفه مسؤولَين رفيعين بالعمل على إنهاء الأزمة الخليجية. وعلى الرغم من الجولة المطوّلة التي كان أجراها في الخليج، كلف تيلرسون، ليل الثلاثاء الأربعاء، كُلّاً من الدبلوماسي تيم لندركينغ، والجنرال المتقاعد أنطوني زيني (كان قائداً للقوات الأميركية في الشرق الأوسط وعمل مبعوثاً خاصاً إلى الأراضي المحتلة) بالتوجه إلى منطقة الخليج «للدفع من أجل إحراز تقدّم، وحتى نتمكن من الإبقاء على ضغط مستمر على الأرض». وحذر تيلرسون من أن الخلاف مع قطر «يزعزع الاستقرار في المنطقة ويقسم مجلس التعاون الخليجي»، مجدداً «التزام» واشنطن بـ«حل الأزمة الخليجية لتحقيق وحدة الخليج، ومن أجل مشروع محاربة الإرهاب». ورأى أن أمير قطر «لعب دوراً أساسياً في نزع فتيل الأزمة منذ يومها الأول»، مؤكداً أن الدوحة حتى الآن ملتزمة بتعهداتها تجاه الولايات المتحدة.
وبغض النظر عن جدية التحرك الأميركي، لا مؤشرات حتى الآن إلى أن لدى تيلرسون من سيلاقي مبادرته الجديدة في منتصف الطريق، خصوصاً بعد التصريحات المشتركة لوليّ العهد السعودي محمد بن سلمان والملك البحريني حمد بن عيسى آل خليفة، على هامش لقاء جمعهما أمس في مدينة جدة السعودية، والتي شدّدت على «ضرورة تصحيح قطر لمسار سياساتها بما يؤكد التزامها بجميع تعهداتها».
(الأخبار)




تميم بن حمد: قطر قبل الأزمة ليست كما بعدها

اعتبر الأمير القطري تميم بن حمد آل ثاني، أن بلاده قبل يونيو (حزيران) 2017 ليست قطر بعد هذا التاريخ، في إشارة إلى مرحلة ما بعد الأزمة الخليجية. وأكد، أثناء ترؤسه اجتماع مجلس الوزراء القطري، أن ما حدث أخيراً «قوّانا ودفعنا إلى المزيد من العمل». وشدد على أهمية الاعتماد على النفس في المرحلة المقبلة «سواء من ناحية الأمن الوطني أو الاقتصاد والغذاء والدواء».
وجدد مواقفه التي أطلقها في خطابه الأخير، مشيداً بـ«روح العمل الإيجابية والتكاتف والدافعية في العطاء والإنجاز التي تميّز بها أهل قطر ومقيموها خلال الأزمة الخليجية لتكون النهج والمقياس الذي يُبنى عليه عمل قطر المستقبلي، وتعزيز وتشجيع استمرار العمل بروح الفريق والتعاون التي تحلّى به الجميع من مواطنين ومقيمين كسِمة بارزة خلال هذه الفترة».
وطالب الحكومة بالاستمرار في تحقيق «رؤية قطر الوطنية 2030» والتركيز على أولوية «الجهد الداخلي في الفترة القادمة وتقوية الجبهات الداخلية الوطنية في المجالات الاقتصادية والأمنية والصحية والتعليمية»، لافتاً إلى ضرورة «الترشيد في الإنفاق في موازنة العام القادم، ولكن دون أن يؤثر ذلك في مشاريع قطر التنموية الرئيسية وجودتها». وأعاد تأكيد استعداده للحوار من أجل حل الأزمة الخليجية بشرط أن الاتفاق يشمل الجميع «دون إملاءات، ودون تدخل في السيادة الوطنية والشؤون الداخلية لأي دولة».
(الأناضول)