تونس | صاحب إعلان الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي حالة الطوارئ في البلاد، بعد نحو أسبوع من هجوم مدينة سوسة، جدلٌ بخصوص قانونية الإعلان من جهة، والتخوفات من العودة إلى زمن قمع الحريات تحت غطاء مقاومة الإرهاب من جهة أخرى.وأعلن الرئيس التونسي، في خطاب توجّه به أول من أمس إلى التونسيين، أنه قرر بعد التشاور مع رئيس البرلمان محمد الناصر، ورئيس الوزراء الحبيب الصيد، إعلان حالة الطوارئ على كامل تراب الجمهورية لمدة 30 يوماً، لأن تونس تواجه خطراً داهماً وهي في حالة حرب حقيقية، ما يتطلب أيضاً تعبئة شعبية.

ورأى السبسي أن ضربة أخرى كالتي تلقتها تونس خلال الهجوم على متحف باردو (في آذار الماضي) أو سوسة، ستكون بمثابة الضربة التي تؤدي إلى إنهيار الدولة، وبالتالي فإنّ إعلان حالة الطوارئ يعتبر ضرورة، خاصة أن الاحتجاجات الاجتماعية والاعتصامات ساهمت في تشتيت تركيز قوات الأمن والجيش على محاربة الإرهاب!

جدل قانوني

ويتيح الفصل 80 من الدستور التونسي الجديد للرئيس، في حالة وجود «خطر داهم مهدد لكيان الوطن أو أمن البلاد أو استقلالها، يتعذّر معه السير العادي لدواليب الدولة»، اتخاذ التدابير اللازمة. لكن النص الدستوري لم يشر إلى طبيعة التدابير، بما في ذلك حالة الطوارئ، كذلك فإنه لم يصدر إلى حد إعلان «الطوارئ» أي قانون ينظمها ويقرها، ما دفع بالرئاسة للجوء إلى قانون صادر عام 1978، وهو الأمر الذي أثار بدوره العديد من الانتقادات.
يجب على الرئيس إعلام المحكمة الدستورية، وهي غير موجودة

وفي حديث إلى «الأخبار»، رأى رئيس «حزب التحالف الديموقراطي»، محمد الحامدي، أنّ «قرار إعلان حالة الطوارئ يثير الاستغراب في غياب تعذّر السير العادي لدواليب الدولة... خاصة (أنّ) الدستور يجيز للسلطة التنفيذية الاستعانة بالجيش في حفظ الأمن دون اللجوء إلى إعلان حالة الطوارئ، ولكن الاعتماد على القانون الصادر عام 1978 مثير أكثر للاستغراب».
ورأى الحامدي أن اعتماد حالة الطوارئ كحل ستكون له تداعيات سلبية على عدد من المستويات، اقتصادياً ــ على سبيل المثال ــ، حيث سيؤثّر ذلك سلباً في الاستثمار الخارجي والداخلي، ويقضي على ما تبقّى من أمل في إنقاذ الموسم السياحي.

إمكان الطعن؟

من الناحية الدستورية، يؤكد الخبير الدستوري وحيد الفرشيشي، في حديث إلى «الأخبار»، أنّ الجانب القانوني البحت للإعلان عن حالة الطوارئ يشوبه تعقيد، إذ إنّ النص الذي اعتمده قائد السبسي غير دستوري، لأنه يتضمن عقوبات سالبة للحرية، كذلك فإنه يمنح صلاحيات واسعة للسلطة التنفيذية، ويتضمن أحكاماً تتعارض كلياً مع ما نص عليه دستور عام 2014.
ويتابع الأستاذ في الجامعة التونسية قائلاً إنه «من الناحية الشكلية، حسب الفصل 80، يجب على رئيس الدولة إعلام رئيس المحكمة الدستورية، وهي غير موجودة. كذلك فإنه في حالة تمديد المدة التي أعلنها السبسي، فالمحكمة هي من تبتّ ضرورة (التمديد) من عدمها»، مضيفاً أنه «بالتالي يمكن القول إن قانونية الإعلان عن حالة الطوارئ يمكن أن تكون محل طعن».

صلاحيات واسعة... فأين الحريات؟

إنّ إعلان حالة الطوارئ وتفعيل القانون المتعلق بها ــ الصادر في عهد الرئيس الحبيب بورقيبة ــ يمنحان قوات الشرطة والجيش سلطات استثنائية، ويتيحان للسلطات حظر الإضرابات والاجتماعات التي من شأنها التسبب في الفوضى. ويجيز، كذلك، للسلطات تنفيذ عمليات دهم للمنازل واتخاذ كل التدابير لضمان مراقبة الصحف والمنشورات، على أنواعها.
الإعلان، أيضاً، يتيح للسلطة التنفيذية فرض الإقامة الجبرية على أي شخص ترى فيه تهديداً للأمن العام، من دون العودة إلى السلطة القضائية، الأمر الذي أثار العديد من التخوفات حيال إمكان مصادرة الحريات والعودة إلى استبداد السلطة التنفيذية تحت غطاء مقاومة الإرهاب، وذلك رغم تأكيد الرئيس التونسي، في خطابه، أنّ الحرايات لن تُمس.
وفي ما قد يكون أول الأمثلة العملية لما بعد إعلان «الطوارئ»، قامت، أمس، قوات الأمن في محافظة قابس (جنوب) بفض اعتصام باستعمال القوة، لكون حالة الطوارئ تمنع الاعتصامات.
وعاشت تونس تحت حالة الطوارئ المعلنة في كانون الثاني 2011 قبيل فرار الرئيس زين العابدين بن علي، وقد تم تمديد هذا التدبير عدة مرات قبل أن يرفعه، نهائياً، الرئيس السابق محمد المنصف المرزوقي، في 6 آذار 2014.
عموماً، فإنّ مجمل الصلاحيات التي تمنحها حالة الطوارئ للسلطة التنفيذية تثير تخوفات من احتمال عودة القمع الأمني للحريات، الفردية والعامة. ويرى السياسي التونسي محمد الحامدي، أنّ الوضع «يمنح صلاحيات للجهاز التنفيذي، ولا يشك عاقل في خطرها على الحريات التي اكتُسبت بعد الثورة، وبالتالي على حكام تونس أن يعوا جيداً أنه لا مجال لقمع الشعب تحت مقولة محاربة الإرهاب، التي تقتضي وحدة وطنية لا التقسيم عبر توظيف العمليات الإرهابية في تصفية الحسابات السياسية».
تلك التخوفات اعتبرها المتحدث باسم الرئاسة، معز السيناوي، مشروعة، لكنه قال: «نحن نعيش في ظل حالة استثنائية، وبالتالي يجب أن تتخذ إجراءات استثنائية، وحالة الطوارئ أحدها. لكن تنفيذها سيكون في ظل احترام القانون والحريات التي اكتسبها التونسيون، ولن يقع المساس بها أو مصادرتها».