بدأت القيادة السياسية لحركة «حماس» ترتيب خطوات انتقال عدد من قياداتها إلى الجزائر، بعد مساعٍ أخرى سبقتها بإقامة مكتب تمثيلي لها هناك يرأسه المتحدث الرسمي باسمها سامي أبو زهري. ترتيبات الانتقال تزامنت مع احتفال «حركة مجتمع السلم ــ حمس» (المحسوبة على الإخوان في الجزائر) بترتيبات عودة القيادي المنفصل عنها عبد المجيد المناصرة، الذي خرج من البلاد قبل عقد، وشكّل «جبهة التغيير»، فيما عادت الأخيرة إلى الجماعة الأم مجدداً مع انتخاب مناصرة رئيساً للحركة.
خلال حفل الاستقبال أمس، شارك وفد من قيادة «حماس» برئاسة القياديين أسامة حمدان ومحمد نصر، وقيادات أخرى، فيما لا يزال طلب السماح بإقامة أبو زهري رسمياً في البلاد قيد الدراسة لدى وزارة الداخلية الجزائرية، فيما أكدّت مصادر قيادية في «حماس» أنّ ثمة تقدماً في هذا الملف، مشيرة إلى طلبات لإقامة قياديين سياسيين آخرين هناك.
وكانت «حماس» قد تقدمت بطلب سابق إلى الجزائر لإقامة مكتب تمثيلي لها، لكن الخطوة لم تكتمل بعد اعتراض السلطة الفلسطينية. ووفق المصادر نفسها، فإنّ مغادرة عدد من قياديي الحركة من قطر وتركيا إلى لبنان، دفع الحركة إلى «فتح آفاق جديدة» في بلاد عربية أخرى، مضيفة: «تنقلات القيادة وتغيير إقاماتهم يأتيان في سياق رؤية لإيجاد مواقع تمثيل جديدة، وتخفيف أعباء وجود عدد كبير من القياديين في دولة واحدة».
يشار إلى أن «حماس» نقلت القيادة المركزية (المكتب السياسي) إلى قطاع غزة بعدما تزامن انتخاب إسماعيل هنية رئيساً للحركة، ويحيى السنوار قائداً لها في غزة، مع الأزمة الخليجية.
بالتوازي مع تنقلات قيادات «حماس» الخارجية، تواجه الحركة عرقلة في تنفيذ تفاهماتها الأخيرة مع مصر، خاصة مع بطء سير العمل في معبر رفح البري صيانة وتوسيعاً. لكن على صعيد العلاقة بالقيادي المفصول من حركة «فتح» محمد دحلان، لا تزال التفاهمات تشق طريقها، إذ تستعد قيادات محسوبة على دحلان لزيارة القطاع، وتقرر موعد جديد لزيارة الرجل الثاني في تيار دحلان، سمير المشهراوي، إلى القطاع، خلال الأسبوع المقبل، وذلك لإعلان بدء تنفيذ «المصالحة المجتمعية»، وفق مصادر في «التيار الإصلاحي».
وتُعنى «المصالحة المجتمعية» بقضايا الدم وضحايا أحداث الانقسام عام 2007 وما قبله، وهي شرط أساسي لعودة دحلان سياسياً إلى غزة، إذ لا يمكنه أخذ دور كبير ومركزي إلا بعد تسوية الخلافات العشائرية والمجتمعية ودفع الديّات. وأفادت تلك المصادر بأن اللجنة المعنية بهذا الملف عقدت اجتماعها الأول قبل يومين، وحضر فيها ممثل عن حركة «الجهاد الإسلامي»، فيما قاطعتها فصائل «منظمة التحرير».
وأضافت أن اللجنة «بصدد توجيه دعوة إلى الفصائل التي قاطعت لعقد اجتماع خاص غداً (الأربعاء)»، مشيرة إلى أن «الجبهتين الشعبية والديموقراطية» قالتا إنهما لم تشاركا لأنهما في صدد المشاورة حول الانضمام إلى اللجنة. وحول المبلغ المالي المرصود، قالت المصادر نفسها إن اللجنة المكلفة ستعمل لاحقاً على تحديد عدد القتلى والمعاقين والمتضررين من الانقسام، ثم سترصد المبلغ المطلوب.
وتضم هذه اللجنة الفصائل التي وقّعت على اتفاق 2011 في القاهرة، وهي «حماس» ممثلة بالقيادي صلاح البردويل، وتيار دحلان ممثلاً بماجد أبو شمالة، و«الجهاد الإسلامي» ممثلة بخضر حبيب، إضافة إلى فصائل: «القيادة العامة» و«الصاعقة» و«المبادرة الوطنية».
وكان ذلك قد سبقه فتح مكاتب تمثيلية لأنصار دحلان في غزة، فيما يجري الحديث عن ترتيب مكان لإقامة «أبو فادي» في حال عودته. ورغم الإعداد لقدوم المشهراوي، الذي كان من المقرر أن يكون في استقباله عناصر مسلحون من «كتائب شهداء الأقصى» التابعة لـ«فتح»، فقد يؤجّل زيارته إلى حين إتمام ترتيبات من قبيل العمل على الإفراج عن «معتقلين سياسيين» مقرّبين من دحلان في سجون الأجهزة الأمنية في غزة.

تريد الحركة تخفيف أعباء وجود عدد كبير من القياديين في دولة واحدة

وقال مصدر يتابع الزيارة إنّ «الأهم من زيارته هو الترتيب لها، من قبيل اتخاذ مواقف تخفف حالة الاحتقان في الشارع الفتحاوي الداخلي من جانب، وفي غزة من جانب آخر... حالياً ينظر في تأجيلها حتى الانتهاء من عمل لجنة المصالحة المجتمعية والبدء بتعويض العائلات»، علماً بأن ثمة تواصلاً أوّلياً تمّ مع بعض عائلات الضحاياً.
أما بشأن معبر رفح، فتواصل السلطات المصرية العمل على توسيعه، لكن مصادر مطّلعة على الملف الخاص بالمعبر قالت إن العمل يسير ببطء منذ زيارة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس الأخيرة للقاهرة، التي تزامنت مع آخر عملية نفذها تنظيم «داعش» في سيناء وأودت بعشرات الضباط والجنود المصريين. كذلك لفتت إلى أن إدخال الوقود المصري إلى غزة بدأ يتقطع.
هذه المصادر ذكرت، أيضاً، أن خطة إنشاء بعض المرافق تسير كما اتفق عليها، ومن بينها مبنى مكوّن من طابقين لا يعرف هل سيكون فندقاً لإقامة المسافرين أم لأغراض أخرى. لكن عبد الحميد المصري، وهو أحد المقرّبين من «التيار الإصلاحي»، أكد في حديث إلى «الأخبار» أن دحلان تلقّى وعوداً رسمية من المصريين بفتح المعبر بصورة يومية قبل نهاية آب المقبل.
وكان دحلان قد قال في مقابلة مع وكالة «أسوشيتد برس» اﻷميركية، أمس، إنه تلقّى وعداً بفتح المعبر في الموعد المذكور، لكنه أشار إلى نيته البقاء في الخارج (أي في دولة الإمارات). كذلك قال إن توافقه مع يحيى السنوار ساعد في «تشكيل تحالف لم يسبق له مثيل». وبعد إقراره بأن أبو ظبي مستعدة لتمويل محطة لإنتاج الكهرباء لغزة بقيمة مئة مليون دولار، قال: «الصفقة الجديدة (التفاهمات مع «حماس») تهدف إلى إحياء المؤسسات السياسية التي أصيبت بالشلل منذ الانقسام، وسيشمل ذلك محاولة جديدة لتشكيل حكومة وحدة وطنية وإحياء البرلمان».
وفيما تصطدم التفاهمات بين دحلان و«حماس» ببعض العوائق، حاولت الأخيرة جسّ نبض عباس بشأن إمكانية العودة إلى المصالحة، خاصة بعد خطابه الأخير الذي كرر فيه مطالبته الحركة بتسليم غزة، لكن مصادر حمساوية قالت إن الاعتداء في الضفة على القيادي في «اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير» وممثل «الجبهة الشعبية» عمر شحادة «يؤكد أن أبو مازن بعيد كل البعد عن أي مصالحة».