ليست مصادفة محاولة المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر (الكابينيت) الجمع بين تمسكه بالبوابات الإلكترونية، والتفويض إلى الشرطة صلاحية اتخاذ القرارات التي تراها مناسبة. فقد حاول رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو، وطاقمه الوزاري تسجيل نقاط لمصلحة تشددهم في مواجهة الفلسطينيين داخل الشارع اليميني، وفي الوقت نفسه إضفاء طابع أمني على قراراته، مع التنصل من مسؤولية أي قرار تتخذه الجهات المهنية.
ومع أن بعض التقارير الإعلامية الإسرائيلية وصفت قرار المجلس الوزاري المصغر بـ«المبهم»، فإن إبهامه المفترض أبلغ دلالة على الخلفيات والاعتبارات التي دفعت الوزراء إلى اتخاذ مثل هذا القرار، فقد كان أمام وزراء المجلس مروحة من الخيارات، لكنه تعمد اتخاذ قرار محدد من ضمن مجموعة بدائل، كما كان من الواضح أنه كان لديهم أكثر من اعتبار لتجنبها. لكن، لم يرد الوزراء أن يبدوا كمن تراجع أمام ضغط الشارع الفلسطيني، وهو أمر يتخوفون من مفاعيله اللاحقة، لكونه يُشعر بأن ضغط الشارع مجدٍ في مواجهة الاحتلال، الأمر الذي قد يستدرج تكراره في محطات لاحقة.
أما نتنياهو، فكان لديه أكثر من اعتبار يدفعه كي لا يظهر ليونة أو مرونة ما، ومن ضمنها القلق من منافسيه اليمينيين الذين يترصدونه للانقضاض عليه. خاصة أن القيادات اليمينية ترى أن شعبيتها تتزايد كلما تطرفت في مواقفها، خاصة في كل قضية تتصل بالشعب الفلسطيني. من هنا، نلاحظ أن نتنياهو وبقية القيادات الأكثر يمينية كانوا ممن صوَّتوا لقرار بقاء البوابات. أما الوزيران المعارضان، وزير الطاقة، يوفال شطاينيتس، ووزير البناء والإسكان، يوآف غالانت، فاتفقا مع الرأي القائل بأهمية «توقيت ومغزى» القرار، وإنه «لن يكون من السليم، إعلان إزالتها في الوقت الراهن... وإلا فسيُنظر إليه على أنه استسلام، وسيضعف السيادة الإسرائيلية».
على خط موازٍ، حاول الكابينيت أيضاً ألا يبدو كمن أغلق الباب نهائياً أمام إمكانية حل المسألة بطريقة الإكراه، وحاول الإيحاء كأن هناك سبيلاً ما لحل المشكلة. من هنا، انتهت مداولات المجلس الوزاري إلى «تفويض الشرطة ومنحها تقدير الأمور، وفق رؤيتها، وهل يمكن إجراء عمليات تفتيش انتقائية، لا تشمل الجميع». وهو يهدف من وراء ذلك إلى محاولة احتواء غضب الشارع الفلسطيني، وتجنب التسبب في مزيد من الاحتقان يفاقم الحراك الشعبي.
ضمن الإطار، قرر المجلس الوزاري أن يقرر القائد الميداني بنفسه «هل هناك فئات محددة، مثل كبار السن والنساء والأطفال، يرى أنّ بالإمكان تجنيبهم التفتيش عبر البوابات الإلكترونية، وذلك وفقاً للتطورات على الأرض». وهكذا يكون المجلس قد تعمد «تجنب اتخاذ قرار» حاسم وفوري التنفيذ، ونجح في «رمي المسؤولية على الشرطة». وبذلك يكون المستوى السياسي قد أعفى نفسه من أي مسؤولية يمكن أن تترتب على استمرار الواقع القائم. عبر تحميل المسؤولية للشرطة.
مع ذلك، يبدو أن المجلس الوزاري الإسرائيلي حاول الإيحاء بأن اعتبارات استمرار الواقع القائم مهنية ومرتبطة بالعامل الأمني فقط. والدليل على ذلك أنه فوَّض إلى الشرطة صلاحية اتخاذ القرار الذي تراه مناسباً بعدما كان يعرف قرارها وتوصيتها بضرورة الإبقاء على البوابات. وهنا تبقى لقرارات المجلس الوزاري رسائله التي تتجاوز الشارع الفلسطيني، فهي تكشف عن مدى اطمئنان صانع القرار في تل أبيب إزاء سقف ردود الفعل الرسمية العربية، وتحديداً معسكر التطبيع، فهو أكد بهذه القرارات إدراكه أن هذه الأنظمة لن تبادر إلى خيارات وقرارات سياسية جريئة تحاول أن تضع حدوداً للاحتلال. والأمر لا ينطبق فقط على المسجد الأقصى، بل يشمل سياساته الاستيطانية والعديد من القضايا الأخرى التي تمسّ حياة الشعب الفلسطيني ووجوده ومستقبله.