للمرة الأولى منذ اندلاع الأزمة الخليجية في أواخر أيار الماضي، أطلّ أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني بخطاب متلفز، حمل جملة رسائل لن تروق، على الأرجح، معسكر دول المقاطعة، الذي أعادت قائدته، السعودية، أمس، التشديد على المطالب الموجهة إلى الدوحة، من دون التلويح بخطوات إضافية في مسار «الحصار» الذي يبدو أنه جُمّد عند المستوى الذي وصل إليه حتى إشعار آخر.
وفي انتظار ما يمكن أن تسفر عنه زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان المرتقبة للمنطقة، سجّل الموقف الأميركي ميلاناً لصالح الدوحة، التي يظهر أن جهودها لاستقطابه بدأت تؤتي أكلها وإن ببطء، وعلى نحو غير معلوم استقراره واستمراره.
ومن على منبر تظهر خلفه صورة والده، حمد بن خليفة، الذي يتكثف التصويب السعودي والإماراتي عليه هذه الأيام، رأى تميم أن «بعض الأشقاء اعتقدوا أنهم يعيشون وحدهم، وأن المال يمكنه شراء كل شيء»، معتبراً أن القطريين «تعرضوا لتحريض غير مسبوق في النبرة والمساس بالمحرمات والحصار»، مؤكداً، في الوقت نفسه، أن «الحياة (في قطر) تسير بشكل طبيعي». إلا أنه شدّد على ضرورة «فتح اقتصادنا للمبادرة والاستثمار، و(أن) ننوع مصادر دخلنا ونحقق استقلالنا»، في ما فُهم منه إدراك الدوحة لإمكانية استطالة المقاطعة التي تتعرض لها، والتي كانت أوساط سعودية لمحت إليها بالحديث عن إبقاء قطر «وحيدة منبوذة»، والبحث عن «مسار منفصل عن المسار القطري».

قرقاش: ضغط الأزمة
يؤتي ثماره والأعقل
تغيير التوجه ككل

وبشأن كيفية حل الأزمة، بدت لافتة، في خطاب أمير قطر، إعادة التشديد على ما كانت الدوحة أعلنته، مراراً، من رفض الإملاءات والالتزامات الأحادية الجانب؛ إذ رأى أن «أيّ حل للأزمة يجب أن يقوم على مبدأين: أن يكون الحل في إطار احترام سيادة كل دولة وإرادتها، وثانياً ألا يوضع في صيغة إملاءات من طرف على طرف، بل كتعهدات متبادلة والتزامات مشتركة ملزمة للجميع». شرطان يعيدان إلى الأذهان ما كان قد تسرّب عن الرد القطري على قائمة المطالب الـ13، من أن الدوحة مستعدة للانخراط في آلية، تشمل الجميع، لمكافحة الإرهاب، وكذلك لتخفيض جماعي لمستوى العلاقات مع إيران.
وثمّن تميم جهود الوساطة التي يقوم بها أمير الكويت صباح الأحمد الصباح، متمنياً أن «تُكلّل جهوده المباركة بالنجاح»، ومؤكداً «(أننا) منفتحون على الحوار لإيجاد حلول للمشاكل العالقة». وخصّ تركيا بحيّز مهم من خطابه، مشيداً بـ«الدور الهام الذي لعبته في إقرارها السريع لاتفاقية التعاون الاستراتيجي والمباشرة في تنفيذها»، متوجهاً إليها بالشكر «على استجابتها الفورية لتلبية احتياجات السوق القطرية». وتكرّس تصريحات تميم، في هذا الإطار، صورة أنقرة كداعم رئيس للدوحة في مواجهة خصومها. صورة ستتعزز، أكثر فأكثر، غداً الأحد، مع بدء الرئيس التركي زيارة للخليج تشمل قطر والسعودية والكويت، على الرغم من تأكيد أردوغان أن هذه الزيارة تأتي في إطار الـ«مساعي لرأب الصدع بين الأشقاء».
وممّا برز، أيضاً، في تصريحات أردوغان، إعرابه عن اعتقاده بأن الأزمة «دخلت منعطف الحل بشكل تام». اعتقاد لا مؤشرات جادة وحقيقية، إلى الآن، على إمكانية استحالته واقعاً ملموساً قريباً، باستثناء تصريح وُسم بـ«الإيجابية» صدر، أمس، عن وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي، أنور قرقاش، رحّب فيه بصدور مرسوم قطري بتعديل قانون مكافحة الإرهاب، واصفاً ذلك بأنه «خطوة إيجابية للتعامل الجاد مع قائمة 59 إرهابياً»، معتبراً أن «ضغط الأزمة يؤتي ثماره، والأعقل تغيير التوجه ككل».
وبالعودة إلى خطاب تميم، فقد توجه بالشكر، أيضاً، إلى «كل من فتح لنا أجواءه ومياهه الإقليمية، حين أغلقها الأشقاء»، في رسالة مضمّنة إلى إيران التي أبدت، منذ بداية الأزمة، تضامنها مع الدوحة، وسيّرت إليها سفناً محمّلة بمساعدات، كما شرعت في مباحثات لتعزيز التعاون التجاري معها. أما في ما يخصّ مكافحة الإرهاب، فجاءت كلمة أمير قطر، في هذا الإطار، لتستكمل محاولات بلاده رفع التهمة عنها، وإلقاء الحجة على الآخرين، إذ جزم قائلاً «(اننا) نكافح الإرهاب بلا هوادة، وهناك اعتراف دولي بذلك». وكان تميم قد أصدر، ليل الخميس ــ الجمعة، مرسوماً بتعديلات على قانون مكافحة الإرهاب، تشمل «تعريف الإرهابيين، والجرائم والأعمال والكيانات الإرهابية، وتجميد الأموال وتمويل الإرهاب»، وكذلك «استحداث نظام القائمتين الوطنيتين للأفراد والكيانات الإرهابية، وتحديد إجراءات إدراج الأفراد والكيانات على أيّ منهما، وبيان الآثار المترتبة على ذلك».
على خط مواز، نقلت وكالة «رويترز» عن مصادر «مطلعة» أن واشنطن سترسل مسؤولَين اثنين إلى مكتب النائب العام القطري في الدوحة، موضحة أنهما «سيعملان جنباً إلى جنب مع قطر لتوجيه الاتهام إلى أفراد متّهمين بتمويل إرهابيين». ووصفت المصادر مذكرة التفاهم الموقّعة أخيراً بين الدوحة وواشنطن بشأن مكافحة الإرهاب بأنها «اتفاق قوي للغاية إذا تم تطبيقه»، معتبرة أنها «ستحقق بالضبط ما طلبه الرئيس دونالد ترامب في قمة الرياض». من جانبه، أكّد مسؤول قطري أن «النائب العام للبلاد سيتعاون مع المسؤولين الأميركيين، لكن لم يتم الانتهاء من شروط التعاون».
(الأخبار)