لا يزال ملف اللاجئين واحداً من أشد ملفات الحرب السورية حساسيةً وتعقيداً. «التغريبة» التي بدأت بواكيرُها منذ قرابة ستة أعوام، أفرزت حتى آذار الماضي قرابة 5.5 ملايين لاجئ (خارج البلاد) بعدما كان العدد قرابة 4,6 ملايين في أواخر 2015 و4,85 ملايين في أواخر 2016 (وفقاً لبيانات مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين).
ورغم تصاعد الحديث أخيراً عن عودة أعداد (محدودة) من اللاجئين في دول الجوار، غير أنّ أعداد العائدين (31000 عادوا في خلال النصف الأول من العام الحالي وفقاً لأحدث تصريحات المفوضيّة) لا تُعتبر مؤشّراً حقيقياً في ما يخص أعداد الراغبين في العودة. وقد يبدو مفاجئاً أنّ النسبة الأكبر من اللاجئين في دول الجوار تُبدي رغبةً جديّة في العودة «بعد عام 2017 إذا ما حصل تحسن ملحوظ في ظروف مناطق عودتهم». يخلص أحدث استطلاع أجرته «مفوضية اللاجئين» على هذا الصعيد إلى أنّ 76% ممّن شاركوا فيه «يفكرون في العودة إلى مناطق سكنهم الأساسيّة (داخل سوريا)». أُجري الاستطلاع المذكور في كل من: مصر، العراق، الأردن ولبنان بين شباط ونيسان 2017. في واقع الأمر، لا تُعدّ هذه النسبة طارئة أو مستجدّة، بل تتوافق مع دراسات واستطلاعات أُجريت في أوقات سابقة، غير أنها لم تنل نصيبها من الضوء.

«المفوضيّة»: نقص في المعلومات حول أوضاع
اللاجئين في لبنان

وترى «مفوضيّة اللاجئين» أن النسبة المذكورة أعلاه تعكس في واقع الأمر «نتائج تقييم هشاشة أوضاع اللاجئين السوريين في لبنان لعام 2016»، حيث أبدت «الغالبية العظمى من اللاجئين رغبةً في العودة إلى وطنهم عندما تتحقق الظروف لعودة آمنة وكريمة». كذلك، تشير دراسة أجرتها جامعة القديس يوسف (اليسوعيّة) عام 2016 ونُشرت في شباط 2017 (بتمويل ودعم من المفوضيّة) إلى أنّ «96% من اللاجئين السوريين في لبنان يرغبون في العودة إلى سوريا إذا عادت الأوضاع طبيعيّة، وأن 81% منهم يرغبون في العودة إلى أماكن إقامتهم الأصلية، في مقابل 4% فقط لا يرغبون في العودة بالمطلق». وأشار اللاجئون المستطلعون إلى «أن الأمن والسلامة أهم متطلبات عودتهم».

لا وقوف في وجه العائدين

تحرص المفوضيّة باستمرار على تأكيد أنّ «العودة قرار مرتبط أولاً برغبة اللاجئ، وثانياً بتوافر الضمانات اللازمة والأوضاع التي تسمح بالعودة الآمنة والكريمة». تشير الناطقة باسم المفوضية في لبنان، دانا سليمان، إلى أنّه «في غياب حلّ سياسي للنزاع يوّفر أيضاً الحل لقضية اللاجئين، لا يمكننا الحديث عن ترويج أو تسهيل لعملية العودة». في الوقت ذاته، تؤكد سليمان لـ«الأخبار» أنّ المفوضيّة «لا يمكنها الوقوف في وجه رغبة اللاجئين بالعودة، شرط أن تكون عودة طوعية بعيدة عن أي شكل من أشكال الضغوط، وأن تتوافر لدى الراغبين في العودة المعلومات الكافية عن الأوضاع في المناطق التي يرغبون في العودة إليها». ووفقاً للناطقة، «تبدي المفوضية، في حالات العودة الطوعية على نطاق ضيق وفي حالات محددة، استعداداً لتقديم المساعدات اللازمة. أما عند التوصل إلى حلّ للنزاع يراعي قضية اللاجئين، فإن المفوضية معنية بالعمل مع جميع الأطراف لضمان العودة الآمنة والكريمة والطوعية للاجئين إلى وجهات من اختيارهم داخل وطنهم». توضح سليمان أن مكتب المفوضية في بيروت ليس على تواصل مع الحكومة السورية، ويتولى مكتبها في دمشق «متابعة أحوال العائدين في المناطق التي عادوا إليها».

«يدعمون اقتصاد المضيفين»

تؤكد «المفوضيّة» وجود نقص في المعلومات حول حقيقة أوضاع اللاجئين السوريين في لبنان. وتوضح المتحدثة الرسميّة أنّ استطلاعات الرأي والاستبيانات التي تجريها المفوضية وشركائها تُظهر أن «معظمهم عاطلٌ من العمل أو يعمل بشكل متقطع لأيام في الشهر وفي مهن ذات دخل متدنٍّ» وأن «أكثر من 70% منهم يعيشون تحت خط الفقر على أقل من 3.8 دولارات يومياً، و90% منهم مَدينون بشكل أو بآخر». تكرر سليمان التذكير بأن «اللاجئ هرب من الحرب أو من الاضطهاد في بلده لوجود خطر يهدد أمنه وسلامته وحياته، وهو ليس مهاجراً لأسباب اقتصادية، ولا يرغب على العموم في الاستقرار في بلد اللجوء». وتضيف «رغم هذا، يساهم اللاجئون في اقتصاد الدولة المستضيفة من خلال الإنفاق نتيجة المساعدات الإنسانية ونفقاتهم الخاصة. على سبيل المثال، أنفقت المنظمات الإنسانية أكثر من 436 مليون دولار على دعم المؤسسات والمجتمعات المحلية منذ عام 2014». وتدعو المتحدثة الصحافيين إلى «النزول إلى الأرض للتأكد من صحة معلومات المفوضية ومصادرها». وتضيف «الصورة على أرض الواقع كما نلامسها يومياً من خلال عملنا واحتكاكنا باللاجئين والمجتمعات المستضيفة لهم، لا تزال إلى حد كبير إيجابية وملهمة».

«تلاعبٌ» في وضح «النهار»؟

في مقابل الصورة الإيجابيّة التي تكشفها بيانات ودراسات «المفوضيّة» حول السوريين الراغبين في العودة إلى بلادهم، ثمّة صورة مغايرة تماماً تظهر عبر بعض وسائل الإعلام. ولأسباب (غير) مفهومة، انكمشت في وضح النهار نسبة اللاجئين الراغبين في العودة من لبنان إلى سوريا لتقتصر على 6% فقط، وخلُصت إحدى الصحف إلى أنّ «معظم اللاجئين، رغم الأوضاع التي يعيشونها في لبنان، يفضلون البقاء فيه على الذهاب حالياً إلى سوريا». وتتناقض هذه المعلومات المنسوبة إلى «المفوضيّة» مع البيانات الصادرة عنها، والمذكورة أعلاه.