كان من المفترض أن تشهد بغداد ــ بدءاً من اليوم ــ مؤتمرين متوازيين «متناقضين». المؤتمر الأوّل الذي حظي بترويج عراقي ــ إقليمي، دعا إليه «تحالف القوى الوطنية» (الائتلاف النيابي الذي يضم القوى السُنّية)، وعرّابه رئيس مجلس النواب سليم الجبوري. ثُبّت نهار السبت المقبل في 15 تموز موعداً لانعقاده، وسط حضور متوقع لحوالى 700 شخصيةٍ سياسية ــ اجتماعية ــ دبلوماسية، إلا أن «رياح بغداد» جرت بما لا تشتهيه «سفن» الجبوري، فتأجّل المؤتمر.
وعلمت «الأخبار»، من أكثر من مصدرٍ داخل المؤتمر، أن التأجيل يعود لسببين؛ الأوّل لوجود مسعىً جدّي بأن يتحوّل من مؤتمر يضمّ مكوّناً واحداً (السُنّة) إلى مؤتمرٍ يضمُّ مختلف المكونات العراقية، يُستطاع من خلاله إنتاج رؤية توافقية لمرحلة «ما بعد الموصل». أما السبب الثاني، فهو العرض العسكري «المفاجئ» الذي سيُقام في المنطقة الخضراء (وسط بغداد) نهار السبت المقبل، احتفالاً بانتصار الموصل.
وفي محاولةٍ منها لتلقّف ما حدث، تنوي القوى المشاركة في المؤتمر عقد اجتماع غداً الجمعة، تُعلن فيه «بيان تحالف القوى التأسيسي للمؤتمر»، يعرض فيه المجتمعون الخطوات، التي تبدأ من تأجيل المؤتمر لـ«لأيامٍ فقط... حرصاً على المشاركة بفرحة استعادة الموصل، وحضور جميع المشاركين من مختلف الأراضي العراقية»، وفق مصادر نيابية.

سيعقد المشاركون في «مؤتمر القوى» اجتماعاً الجمعة يعلنون فيه «بيانهم التأسيسي»


وتطرح مصادر سياسية عراقية تساؤلاً: كيف تأجّل المؤتمر بعد طول ترقّب؟ وفق المعلومات، فإن المراجع السياسية تتداول روايتين؛ تفيد الأولى بأن قرار التأجيل قد اتخذ منذ أسبوع، في محاولةٍ لـ«لملمة الصف السُنّي»، خاصّة أن «اختلافات كبيرة وقعت مؤخراً في ما بينهم»، يقول مصدرٍ حكومي متابع، مشيراً في حديثه إلى «الأخبار» إلى أن «أحد المموّلين (في إشارة إلى السعودية) يرفض تزعّم المحسوبين على الإخوان المسلمين للمكوّن السُنّي في العراق (في إشارةٍ أخرى إلى سليم الجبوري)».
أما الرواية الثانية، التي يسرّبها مقرّبون من دُعاة المؤتمر، فتشي بأن ضغوطاً كبيرة مورست على «الهيئة التأسيسية»، من مختلف القوى العراقية (في تلميحٍ إلى «التحالف الوطني»)، ودعوته الأخيرة إلى تأجيل المؤتمر. ففي اجتماعه الأخير (السبت الماضي)، وبمشاركة رئيس الحكومة حيدر العبادي، دعا قادة «التحالف» القائمون على المؤتمر إلى «مراجعة التوقيت ليكون في ظرفٍ أنسبٍ للوفاق الوطني»، مؤكّدين رفضهم حضور المطلوبين للقضاء. وحتى إعلان العبادي «النصر في الموصل»، كان موعد المؤتمر قائماً. إلا أن رئيس الحكومة رمى «قنبلة»، بالأمس، أفضت إلى تأجيل الموعد، إذ دعت القوات المسلّحة إلى إقامة عرض عسكري، ما خلق «بلبلة» لدى «الهيئة التأسيسية» للمؤتمر، التي لمّحت ــ بطريقة غير مباشرة ــ إلى دور العبادي في تأجيله، الأمر الذي قد يؤدي إلى «تطييره» لاحقاً.
وتتحسّس قوى «التحالف الوطني»، وعلى رأسها العبادي، من مشاركة المطلوبين في مؤتمر «15 تموز»، إذ عبّرت عن دعمها وترحيبها بإقامة مؤتمراتٍ داخل البلاد، غير أنها رفضت مشاركة من «هم مطلوبون للعدالة قبل أن يسوّوا أوضاعهم مع القضاء». وإن كان الحضور لهؤلاء «مستحيلاً» (حتى أمس)، كمحافظ الموصل السابق أثيل النجيفي، ووزير المالية رافع العيساوي، ونائب رئيس الجمهورية، طارق الهاشمي، ورجل الأعمال خميس الخنجر، وغيرهم، فإن «طيفهم» سيكون حاضراً، خاصّة أن كلمات بعضهم (المؤكّد حتى الآن النجيفي والخنجر)، ستبث مباشرةً من أربيل، عاصمة إقليم كردستان، وسيتابعون بشكل «طبيعي» فعاليات المؤتمر «عبر شاشة».
أما المؤتمر الثاني، الذي جاء «ردّاً» على المؤتمر الأوّل، فسيُعقد اليوم، في بغداد. ووزّعت «اللجنة التحضيرية لمؤتمر بغداد الوطني» دعواتها أوّل من أمس، وجاءت بعنوان «نحو دولة مواطنة لا دولة مكوّنات». ووفق عددٍ من المشاركين، فإنه سيبحث في «تشكيل كتلة سياسية، تكون بديلةً من اتحاد القوى»، خاصّة «أننا ممن قاتل الإرهاب على مدى السنوات الثلاث الماضية».
ويُتّهم المؤتمر الثاني بأنه جاء «ردّاً» على الأوّل. لا تنفي المصادر ذلك، إذ «كانت هناك مفاوضات لدمج المؤتمرين، إلا أنها لم تصل إلى نتيجة». وتؤكّد دور نائب رئيس الجمهورية، نوري المالكي، في الإعداد له، فيما يذهب مناوئو الأخير إلى اتهام إيران وقوى إقليمية أخرى بتأسيسه، وهو «أمرٌ تنفيه طهران وعارفوها بشكلٍ قاطع». فالمالكي، الذي يعدّ العدّة للعودة بقوة إلى العملية السياسية، يسعى إلى «دعم شركاءٍ من المكوّن الآخر»، وفق مصادره التي تؤكّد أن الرجل «لا يسعى إلى خلق قيادة سُنّية، بل دعم اختيار قيادة بنكهةٍ بغدادية»، وهو أمرٌ يمكن ملاحظته من أسماء الشخصيات المشاركة، والقريبة من المشروع السياسي للمالكي، كمشعان الجبوري، وكامل الغريري، وعبد الرحمن اللويزي، وعبد الرحيم الشمري...
ويرفض المشاركون في المؤتمر الثاني «مؤتمر 15 تموز»، بعد أن شاع الحديث عن مسعاه لـ«إنشاء مرجعية للسُنّة، التي ستتجاوز تمثيلنا في المحافظات المحرّرة». وتضيف المصادر المشاركة أن المؤتمر «مصبوغٌ بالطائفية، ومؤتمرنا هو ردٌّ عليه... فقد آن الأوان للحديث عن دولة المواطنة». وكعادة القوى السياسية في «الاتهام المباشر»، فإن المشاركين يرون في «مؤتمر 15» أنه «مدعومٌ من 5 دول» (تركيا، الأردن، المملكة السعودية، قطر، الإمارات العربية)، وهو يثبّت بعض الاتهام على المكوّن السُنّي بـ«العمالة للغرب، والبعيد عن الوطن، وهو أمرٌ مرفوض بشكلٍ قاطع».




علاوي: نرفض المؤتمرات الطائفية

يرفض «ائتلاف الوطنية»، بزعامة إياد علاوي، المشاركة في أيٍّ من «مؤتمري بغداد»، إذ أشار في بيانه إلى أنه «منذ بدء العملية السياسية كان شعارنا بناء دولة المواطنة، والتي تقوم على العدل والمساواة وسيادة القانون وعدم التمييز بين شرائح المجتمع العراقي على أساس طائفي، أو عرقي، أو قومي»، معتبراً أنه بعد أن تسلّم «الائتلاف» الدعوتين، فإن قيادته «ترفض عقد أي مؤتمر أو تجمّعٍ على أساس طائفي لن يخدم مسيرة الديموقراطية في البلد».
ورأى البيان أنّ هذه المؤتمرات «لا تعزز بناء اللحمة الوطنية على أساس مبدأ المواطنة»، داعياً جميع الأطراف إلى «ضرورة خلق أجواء إيجابية ومناخ سياسي ملائم لجمع كل العراقيين تحت خيمة الوطن لا خيمة الطائفة».
(الأخبار)