القاهرة | في خطوة غير متوقعة، أحالت الحكومة المصرية اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية على البرلمان بعد ثمانية أشهر على توقيعها، وذلك بالرغم من حكم محكمة القضاء الإداري ببطلان الاتفاقية ورفض الاستشكال الذي قدمته الحكومة لوقف تنفيذ هذا الحكم. وبعد إقرار الاتفاقية، تتجه الأنظار إلى المحكمة الإدارية العليا، أعلى جهة قضائية، والتي ستفصل في القضية يوم 16 يناير/كانون الثاني المقبل.
وجاء قرار الحكومة بعد أيام قليلة من تسريب أخبار عن زيارة خاصة لوفد سعودي التقى خلالها الرئيس عبد الفتاح السيسي لاحتواء الأزمة بين البلدين (الناتجة من تصعيد الجانب السعودي بسبب تأخر تسليم الجزيرتين للرياض)، علماً بأن عدداً من النواب الذين أعلنوا في وقت سابق سعودية الجزيرتين، قدموا خلال الأيام الماضية طلبات إحاطة لعرض الاتفاقية على البرلمان.
ورغم أن إرسال الحكومة الاتفاقية إلى البرلمان يأتي شكلياً استجابةً لطلبات الإحاطة، كان يجب عليها أن ترد بكون الأمر منظوراً أمام القضاء، خصوصاً أن قرار الإحالة يعتبر احتيالاً على حكمين قضائيين واجبي النفاذ ببطلان الاتفاقية. وتخشى أصوات من المعارضين للاتفاقية، داخل البرلمان، من سرعة تمريرها على الجلسة العامة بعد إرسالها للّجان الفرعية، بحيث تمرر قبل صدور حكم المحكمة الإدارية العليا الذي يجعل الحكم وعدمه سواء، فتتحول الاتفاقية عند موافقة البرلمان إلى قانون يكون التحرك ضده أمام المحكمة الدستورية العليا لا أمام مجلس الدولة وقضائه الإداري.
أحد أوجه صعوبة التمرير مرتبط بالمعارضة التي ستواجه الاتفاقية عند عرضها على الجلسة العامة، لا سيما أن هناك خلافات داخل ائتلاف «دعم مصر» المسيطر على الاغلبية البرلمانية بشأن الاتفاقية، وسط مخاوف من انقسام غير مسبوق داخل البرلمان، فيما صدرت تصريحات عن عدد من قيادات الائتلاف بإجراء مناقشات حول الاتفاقية والاستماع إلى وجهات نظر مختلفة، مع دراسة الأمر قانوناً.

ستفصل المحكمة الإدارية العليا في 16 من الشهر المقبل في القضية

وهناك تصور يفيد بأن الحكومة الموشكة على الرحيل تسعى إلى التخلص من مشكلة الجزر التي عرّضتها لانتقادات شعبية حادة، علماً بأنه يحق للمحامين الذين أقاموا الدعاوى القضائية لبطلان الاتفاقية ملاحقة رئيس الحكومة وإقامة جنحة الامتناع عن تنفيذ حكم قضائي ضده، وهي قضية مشابهة للقضية التي قضى فيها رئيس الحكومة الأسبق هشام قنديل عاماً فيها خلف القضبان، بعد إزاحة حكم «الإخوان المسلمين».
وستعرض الاتفاقية على لجان عدة في البرلمان، منها الشؤون العربية والعلاقات الخارجية، إضافة إلى اللجنة التشريعية، وستعدّ كل لجنة تقريراً عن الاتفاقية، في وقت بدأت فيه أصوات في اللجنة التشريعية تنادي بضرورة تأجيل النظر في الاتفاقية إلى حين الفصل فيها قضائياً من المحكمة الإدارية العليا. وقد شهدت جلسة الإحالة انسحاب وزير الشؤون القانونية ومجلس النواب، المستشار مجدي العجاتي، اعتراضاً على التصرف الحكومي المخالف للدستور.
ومن المقرر أن تنطق محكمة جنح مستأنف الأمور المستعجلة اليوم في القضية المنظورة أمامها بشأن الاتفاقية، بعدما أصدرت محكمة أول درجة حكماً بتأييد الاتفاقية واعتبارها «من أعمال السيادة»، علماً بأن الأمور المستعجلة دائماً ما ينظر إليها باعتبارها بوابة الحكومة للالتفاف على أحكام مجلس الدولة، خصوصاً أن الدستور نص على اختصاص القضاء الإداري بمفرده بالنظر في الاتفاقيات التي تبرمها الحكومة. وسيكون أمام المحكمة اليوم خياران فقط، الأول بإلغاء حكم أول درجة والقضاء بعدم اختصاصها النظر في الدعوى. أما الخيار الثاني، فهو تأييد الحكم ووقف تنفيذ حكم محكمة القضاء الإداري، الأمر الذي سيدفع الحكومة، حال صدور حكم الإدارية العليا برفض الاتفاقية، إلى إقامة منازعة أمام المحكمة الدستورية، لوجود حكمين متناقضين من محكمتين، حيث يكون للدستورية الكلمة الفصل في هذه الحال.