«حل الدولتين وهم»، ولإسرائيل «الحق القانوني» في توسيع المستوطنات في الضفة الغربية، والرئيس باراك أوباما «معاد للسامية». هذه بعض آراء ديفيد فريدمان (57 عاماً) الذي يُعدّ أحد أكثر السياسيين الأميركيين تشدداً في تأييد الاستيطان، فيما رأت الصحف الأميركية أنه سيكون عرّاب «الطلاق» بين إدارة ترامب والسياسة الخارجية الأميركية التقليدية التي تقول إنها ضد بناء المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية لأنه «يعرقل عملية السلام»، وتتبنى إقامة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل (دولة يهودية) «كحل أنسب للنزاع».فريدمان، اليهودي المتشدد الذي قدّم العديد من النصائح لترامب حول العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل خلال حملة الأخير الانتخابية، سارع فور إعلان نبأ ترشيحه إلى التأكيد أنه سيعمل «بلا كلل من أجل تعزيز العلاقات الثابتة بين الولايات المتحدة وإسرائيل»، مشيراً إلى تطلعه للقيام بذلك «من السفارة الأميركية في العاصمة الأبدية لإسرائيل... القدس».

تصريح فريدمان «المثير للجدل» ليس مفاجئاً، إذ إنه يتوافق مع ما كان قد أكّده ترامب حين التقى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في أيلول الماضي، في ما يخص الاعتراف بالقدس كـ«عاصمة موحدة لإسرائيل». كذلك جاء ترشيح فريدمان بعد أيام على كشف كيليان كونواي، مستشارة ترامب، عزم الأخير على نقل السفارة الأميركية إلى القدس المحتلة.
تخرّج فريدمان، وهو ابن الحاخام موريس فريدمان الذي ترأس مجلس نيويورك للحاخامات، من كلية كولومبيا وكلية الحقوق في «جامعة نيويورك». بالإضافة إلى كونه محامياً، ترأس فريدمان منظمة «أصدقاء مؤسسات بيت إيل في أميركا»، وهي منظمة تدعم مستوطنة كبيرة بالقرب من رام الله في الضفة الغربية. كما تربطه علاقة وثيقة مع صهر ترامب جاريد كوشنر، إذ عمدت أخيراً مؤسسة تابعة لعائلته، وفق تقارير لوسائل إعلام إسرائيلية، الى التبرع بعشرات آلاف الدولارات لمستوطنات في الضفة الغربية. وفي عام 2013، على سبيل المثال، تبرعت المؤسسة بعشرين ألف دولار لبيت إيل يشيفا، وهي مدرسة في مستوطنة تعدّ الأكثر تشدداً أيديولوجياً في الضفة الغربية. وقد يكون هذا الدعم المباشر للمستوطنات، التي تقول تصريحات أميركية رسمية إنها «غير شرعية»، دليلاً على التغييرات الجذرية التي ينوي ترامب القيام بها، والتي تتعدى «تمزيق الاتفاق النووي الإيراني».
من جهتها، اعتبرت صحيفة «نيو يوركر» أن التعيين يتناسب وقرارات ترامب «المتهورة». وأضافت أنه «بعد قراءة مقالات فريدمان، نستنتج أنه إذا قررت إسرائيل أن من مصلحتها ضم الضفة الغربية لأراضيها، فإنّ فريدمان سيوافق بحرارة وسيساعد على رفع العلم».

فريدمان: ترامب يمكن
أن يدعم ضم إسرائيل أجزاءً
من الضفة الغربية

ويتعدى فريدمان تبنيه لإقامة المستوطنات، إلى حد الإعلان أنّ من «حق» إسرائيل بناءها وتوسيعها. وفي شهر أيار الماضي، قال للقناة الإسرائيلية السابعة إن «على إسرائيل أن تستمر في بناء المستوطنات. فسكان المستوطنات 400 ألف نسمة، وإذا أضفت إليهم السكان اليهود في القدس الشرقية، يصبح العدد ما يقارب المليون شخص. هؤلاء السكان لن يذهبوا إلى أي مكان، وإسرائيل لن ترتكب الخطأ نفسه الذي ارتكبته عند إخلاء غزة». وفي مقابلة مع صحيفة «هآرتس»، أشار إلى أن «ترامب يمكن أن يدعم ضم إسرائيل لأجزاء من الضفة الغربية». وفي تصريحات أخرى للصحيفة، قال إن «على الإسرائيليين أن يقرروا إن كانوا يرغبون أو لا بالتخلي عن أراض لإقامة دولة فلسطينية... الخيار يعود لهم... ترامب لا يعتقد بأن قيام دولة فلسطينية مستقلة واجب على الأميركيين».
أما مجلة «فوراين بوليسي»، فأكّدت أن تعيين فريدمان قد يمثّل «شهر عسل لإسرائيل»، لكنه يُعتبر أيضاً «انفصالاً كبيراً» عن السياسة الأميركية التقليدية. ففريدمان يختلف مع إدارة أوباما بشكل كبير، واتهم في إحدى مقالاته أوباما بـ«العداء السافر للسامية»، وذلك لأنه «أخفق في التصدي للبروباغاندا المعادية للسامية في الأوساط الفلسطينية».
صحيفة «نيويورك تايمز» بدورها، رأت في مقال بعنوان «خيار خطير للسفير لإسرائيل» أنّ تعيين فريدمان سيؤدي إلى إشعال الصراع في إسرائيل والأراضي المحتلة، «وسيزيد من التوترات الإقليمية وسيقوّض القيادة الأميركية». وانتقدت الصحيفة وجهات النظر «المتطرفة» لفريدمان التي «تختلف جذرياً مع السياسة الأميركية ومع وجهات نظر معظم الأميركيين». وختمت بالقول: «مثل أي رئيس منتخب، يحق للسيد ترامب أن يرشح من يشاء. ولكن هذا الاختيار دليل على جهل خطير أو عدم اكتراث للألغام الأرضية المنتشرة في جميع أنحاء الشرق الأوسط. لدى مجلس الشيوخ مسؤولية حماية ترامب والبلد من هذه الخطوة المتهورة».
من جهة أخرى، يهاجم فريدمان بشراسة اليهود الذين يختلف معهم. ففي حزيران الماضي، قال عن «جي ستريت»، وهي منظمة يهودية أميركية تدعم السلام مع الفلسطينيين، إن «اليهود الذين يؤيدون حل الدولتين مع الفلسطينيين هم أسوأ من الـKapos»، في إشارة إلى يهود تعاونوا مع النازية. وأضاف «واجه الـKapos ظروفاً قاسية جدّاً، ومن يعرف ما كان ليفعل أي واحد منا في ظل تلك الظروف لإنقاذ أحد أفراد أسرته؟ أما أعضاء جي ستريت فإنهم يشجعون على تدمير إسرائيل، فيما هم جالسون بسلام في بيوتهم في الولايات المتحدة... من الصعب أن نتصور أي شيء أسوأ من ذلك». وعند سؤاله عن هذه التصريحات قال: «إنهم ليسوا يهوداً. إنهم ليسوا مؤيدين لإسرائيل».
وانتقدت «جي ستريت» تعيين فريدمان، واصفة إياه بـ«الصديق الأميركي لحركة الاستيطان في الأراضي الفلسطينية». وقال رئيس المنظمة جيريمي بن عامي، في بيان، إن «هذا التعيين خطوة متهورة تهدد سمعة أميركا في المنطقة وصدقيتها في العالم»، منتقداً افتقار فريدمان «إلى أي تجربة دبلوماسية».
وفي الدولة العبرية، اختلفت ردات الفعل بين مؤيد ومعارض لهذا التعيين، فاعتبرت صحيفة «هآرتس» أن أفكار فريدمان «تجعل بنيامين نتنياهو يبدو كانهزامي يساري»، مشيرة إلى أنه «حيث يقف فريدمان، يبدو معظم الإسرائيليين، ناهيك عن معظم اليهود الأميركيين، كخونة».
أما «ذي أنديبندنت» البريطانية، فكتبت مقالاً بعنوان «تعيين فريدمان، إعلان للحرب»، في إشارة إلى ما قاله الشيخ عكرمة صبري، خطيب المسجد الأقصى في القدس. فلسطينياً أيضاً، حذّر أمين سر اللجنة التنفيذية لـ«منظمة التحرير» صائب عريقات، من أن نقل السفارة الأميركية إلى القدس المحتلة سيدمر «عملية السلام» و«ستنجر المنطقة إلى حالة من الفوضى وانعدام القانون والتطرف».
في المقابل، رحّبت نائبة وزير الخارجية الإسرائيلية تسيبي حوتوفلي، بالتعيين، واصفة إياه بـ«الخبر الجيد لإسرائيل». وأضافت أن «مواقفه تعكس رغبة في تعزيز (واقع) القدس كعاصمة لإسرائيل في هذا الوقت، وتفهماً بأن المستوطنات لم تكن قط المشكلة الحقيقية في المنطقة».
أما المتحدث باسم مجلس يشع الاستيطاني، الذي يمثل 400 ألف مستوطن في الأراضي الفلسطينية المحتلة، أوديد رفيفي، فقال إن «لدى فريدمان محبة عميقة لكل أراضي إسرائيل وسكانها، بمن فيهم الموجودون في يهودا والسامرة». وأضاف أن «معرفة (فريدمان) وحكمته ستعززان الجسر بين شعبينا العظيمين». وهذا ما أكّده القيادي الاستيطاني يوسي دغان، الذي وصف فريدمان بـ«صديق حقيقي وشريك لدولة إسرائيل والمستوطنات»، ورئيس المنظمة الصهيونية الأميركية مورتون كلاين، الذي قال إن فريدمان سيكون «أعظم سفير للولايات المتحدة في إسرائيل».