اسطنبول | جاء تبنّي تنظيم «داعش» لتفجير كنيسة البطرسية بعد 48 ساعة من وقوع العملية. البيان الذي نشرته وكالة «أعماق»، النافذة الاعلامية الاولى للتنظيم، زاد الوضع غموضاً، في ظل تضارب في أسماء المتهمين وبروز اختلافات في مسؤولية الشخص الذي قام بالتفجير، بحسب البيان.
وقال التنظيم إن من قام بالتفجير هو أبو عبدالله المصري، في حين ذكر الرئيس عبد الفتاح السيسي، غداة الجريمة، أن الجاني هو محمود شفيق محمد مصطفى، ولكن رواية التنظيم اتفقت مع رواية السيسي في قيام الجاني بتفجير نفسه في التجمع الكنسي أثناء القدّاس.
القاهرة قالت إن المتهم ينتمي إلى جماعة «الإخوان المسلمين» ويعيش في الفيوم، وهو المسؤول عن قتل 25 قبطياً أثناء الصلاة، إلا أن والدة الجاني خرجت بتصريحات تلفزيونية، عقب الإعلان عن اسم ابنها، زادت من الغموض بنحو أكبر، حينما قالت إنه يعيش في السودان ولا علاقة له بالحادث، وإنه على تواصل معها، وإن آخر تواصل كان قبل أسبوع من العملية. وذكرت أيضاً أنه هارب من السلطات المصرية بسبب الملاحقات الأمنية، مفجّرةً مفاجأة أخرى بأن وزارة الداخلية اعتقلت شقيق المتهم الأكبر، محمد شفيق، عشية التفجير وتحفّظت عليه، وهو ما ردّت عليه وزارة الداخلية بالقول إن شقيق المتهم تعرّف على جثة أخيه.
وبالعودة إلى بيان «داعش»، فإنه جاء مذيّلاً بتوقيع تنظيم «الدولة الاسلامية»، من دون كتابة «ولاية مصر» أو «داعش مصر» كما جرت العادة في العمليات الماضية التي قام بها التنظيم، مثل عملية مبنى أمن الدولة في شبرا والقنصلية الإيطالية فى وسط القاهرة.

من الممكن أن يكون قد تمّ تجنيد محمود شفيق في السودان ثم إرساله إلى القاهرة


وكان تشكيل «داعش مصر» من خلايا شكلها الضابط في الصاعقة المصرية علي عشماوي في الوادي والدلتا، مثل «خلية الدقهلية» و«خلية أكتوبر» و«مدينة نصر» التي حاولت استهداف وزير الداخلية السابق محمد إبراهيم، إلا أن الأمن استطاع الوصول إلى معظم أعضاء تلك الخلايا واعتقالها وتصفية بعضها، لتعاود بعد ذلك فلول خلايا الوادي تشكيل نفسها من جديد وإنشاء تنظيم «داعش مصر».
ثم انشق علي عشماوي وهرب إلى ليبيا لخلافه مع تنظيم «ولاية سيناء» الذي بايع «داعش»، وانحياز عشماوي إلى تنظيم «القاعدة»، وصدور فتوى من «داعش» ليبيا بتكفير عشماوي وتطالب بقتله، إلا أنه نجح في الالتحام ببعض العناصر المصريين السلفيين في ليبيا، ثم نفذ بعض العمليات ضد الجيش في مصر، كعملية الفرافرة في الوادي الجديد، والتي راح ضحيتها 20 جندياً مصرياً.
قد يكون خروج البيان من دون تذييله بـ«ولاية مصر» أو «داعش مصر» له علاقة باستهداف الأجهزة الأمنية عناصر التنظيم طيلة الشهور الماضية، ورغبة التنظيم الأم في تقليل الضغط على أعضائه في مصر، وصرف أنظار السلطات المصرية عن وجود قوي للتنظيم في مصر في الفترة الحالية، حتى يضمن تأمين عناصره جيداً.
ويستغل التنظيم المتطرف المناخ السياسي لتجنيد عناصر جدد داخل القاهرة، واستغلال الصحاري الشاسعة في مصر من أجل تدريب الشبان المنضمين حديثاً، فضلاً عن التعاون مع بعض تجار الاسلحة في الدلتا في مقابل دفع أموال ضخمة للحصول على السلاح، وفقاً لتصريحات مقرّبين من أولئك العناصر في القاهرة لـ«الأخبار».
من المرجّح أن يكون اختيار المولد النبوي لتفجير الكنيسة باعثاً دينياً يخاطب به «داعش» أتباعه داخل مصر ويدغدغ مشاعرهم الدينية، خصوصاً أن الأقباط تبنّوا موقفاً داعماً للسيسي في كافة سياساته الداخلية والخارجية، ورغبة التنظيم في تجييش قطاعات كبيرة من الإسلاميين والسلفيين للوقوف خلفه والتجنّد تحت رايته في القاهرة.
ويبقى لغز دخول محمود شفيق السودان، وفقاً لما قالته أمه، حيث يحادثها من هناك بشكل دوري، وتأكيدها أنه لم يدخل مصر. إلا أنه، بحسب مقرّبين من ملف «الإخوان» في السودان، هناك عناصر تابعون لتنظيم «داعش» منتشرون بكثرة في السودان، يقومون بتجنيد عشرات الشبان المطاردين من «الإخوان» في السودان وتدريبهم على السلاح هناك وإرسالهم الى ليبيا وسوريا والعراق للقتال، ومن الممكن أن يكون قد تم تجنيد محمود شفيق في السودان ثم إرساله إلى القاهرة عبر التهريب من الحدود المصرية السودانية ليقوم بالتفجير، وهي كلها معلومات تدور في حيّز الاستنتاج وليس الجزم.