يوم أمس، جلس المدعوّون في أماكنهم في قاعدة «نيفاتيم» العسكرية الإسرائيلية في جنوب فلسطين المحتلة. كانوا في انتظار استقبال أول طائرتي «إف ــ 35» ضمن مراسم واحتفال يجهز لهما منذ أيام. استعد الرئيس الإسرائيلي، رؤوفين ريفلين، ورئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، لإلقاء خطابيهما، بحضور وزير الدفاع الأميركي، آشتون كارتر، وسياسيين وعسكريين ودبلوماسيين وإعلاميين... لكن الطائرتين لم تصلا.
حلّت الصدمة كبيرة جدّاً، فسبب تأخرهما مربك لمصنعيها وللمتزودين بها. بعد انتظار وبث مباشر واستوديو مفتوح في قنوات التلفزة العبرية لشرح مزايا الطائرة وقدرتها على المراوغة والتملص والمناورة، بما يصل إلى ما يتجاوز حدود السماء، تبين أن الاثنتين لم تقلعا من إيطاليا بسبب الأحوال الجوية السيئة، خاصة الضباب. بعد إعلان تأخر وصولهما، انفرط عقد الاحتفال وتفرق المدعوون، فيما أطلق الإعلاميون العنان لتعليقاتهم التي تحولت من التمجيد بالقدرة الإسرائيلية المتجددة، إلى السخرية مما حدث، وتحديداً ما يتعلق بسبب الامتناع عن التحليق بالطائرتين من إيطاليا إلى فلسطين المحتلة.

نتنياهو: ذراعنا
الطويلة صارت الآن أطول وأعظم

ردّ الفعل كان موازياً للصدمة، وتوزعت التعليقات بين استوديوهات البث المباشر والمواقع الإلكترونية الإخبارية، وذلك ما بين الإعراب عن الخيبة والاستهزاء. فقد تساءل معلق الشؤون الأمنية في صحيفة «معاريف»، يوسي مليمان، قائلاً: «هل هناك من يمكنه أن يشرح لنا كيف لا تستطيع الطائرة الأفضل في العالم أن تقلع وتحلق بسبب سوء الأحوال الجوية في إيطاليا؟».
كذلك تساءلت بعد «الصدمة» القناة الأولى عن علة الاحتفال بوصول الطائرتين، قائلة إنها «مربكة وكانت في الأساس مبالغاً فيها». كذلك تحدثت وسيلة أخرى (هآرتس)، قائلة: «بعدما اشترت إسرائيل طائرة بمبلغ مئة مليون دولار، وتبين أنها غير قادرة على الإقلاع بسبب الضباب، نأمل أن يتحرك أحد ما كي يفحص إن كانت الغواصات التي اشترتها إسرائيل في المدة الأخيرة، ليست حساسة للمياه المالحة».
يشار إلى أن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي قال، في بيان أمس، إنه بسبب الأحوال الجوية السيئة لم تتمكن الطائرتان من الإقلاع من القاعدة التي توقفتا فيها (داخل إيطاليا)، ونتيجة لذلك لم تتمكنا من الوصول في الوقت المحدد لهما إلى قاعدة «نفاتيم». لكنّ خيبة الأمل الإسرائيلية، التي عمت المتابعين والإعلاميين والجمهور الإسرائيلي، أصلها حملة الدعاية غير المسبوقة في اليومين الماضيين، ومن بينها تصريحات ومواقف لمسؤولين تحدثوا عن قدرات الطائرة الأميركية الجديدة، كأنها ستنقل إسرائيل وقدراتها العسكرية إلى ما وراء المنظومة الشمسية.
وكان وزير الأمن افيغدور ليبرمان، قد ذكر في بيان أن هذه الطائرات «تشكل عنصراً آخر في الحفاظ على التفوق الجوي الإسرائيلي في منطقتنا، فسلاح جو قوي يعني أن إسرائيل قوية، وسيكون أكثر سرية وكفاءة»، معرباً عن شكره لنظيره الأميركي، كارتر، خلال حفل استقباله قبيل احتفال وصول الطائرتين اللتين لم تصلا في موعدهما المقرر.
إضافة إلى «صدمة الضباب» وانفراط عقد الاحتفال وتأجيل وصول الطائرتين ثماني ساعات، جاءت صدمة من نوع آخر، من شأنها أن تضرب أصل مشروع «إف ــ 35»، وذلك بعد تصريح الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب، الذي حمل فيه على مشروع الطائرة المكلف، وندد بالأثمان المرتفعة لإنتاجه. وغرد ترامب على «تويتر»، قائلاً إن «مشروع طائرة إف 35 وتكلفته قد خرجا عن السيطرة. يمكن توفير بلايين الدولارات، وستُوَفَّر بالفعل، من مشتريات وسائل ومعدات قتالية، بعد تاريخ 20 كانون الثاني»، أي موعد بدء ولايته.
وبعد انتظار ساعات، وصلت الطائرتان إلى جنوب فلسطين المحتلة، وعاد نتنياهو وألقى كلمته، التي أكد فيها أن «الذراع الطويلة» لإسرائيل صارت الآن أطول وأعظم، لافتاً إلى أن القوة فقط هي «التي تصنع الردع والاحترام والحلول والسلام».
وأضاف: «أريد أن أوضح أن كل من يفكر في مهاجمة إسرائيل سيهاجم ويضع نفسه في خطر الانقراض، وهذا شرط أساسي لضمان مستقبلنا... نحن وكل قادة الأجهزة الأمنية (الإسرائيلية) نعمل على تحقيق القدرة العليا في الجو والبر والبحر والمجال الإلكتروني، وهذه الطائرات (إف ــ 35) لديها هذه القدرات مجتمعة». كذلك أشار إلى أن إسرائيل هي ثاني دولة في العالم تحوز هذا النوع من الطائرات المتطورة بعد الولايات المتحدة، الأمر الذي «يؤكد متانة التحالف القائم بين الجانبين».
من جهة أخرى، قال كارتر إن «إسرائيل هي الصديق الوحيد في المنطقة التي ستحلق بهذه الطائرة»، معتبراً أن «هذه الطائرات ستسمح لسلاحي الجو الإسرائيلي والأميركي بالعمل معاً بتعاون معزز وأكثر فعالية من أي وقت مضى». وأضاف: «معاً سوف نسيطر على السماء... سنواصل أيضاً تمويل برامج دفاعية لإسرائيل، مثل منظومة القبة الحديدية ومقلاع داود وأيضاً في مجال الدفاع السايبيري».