في الوقت الذي تتهم فيه إسرائيل جهات عديدة في المنطقة والعالم بأنها تعمل على تشويه صورتها وبأن آلاف الشهداء والجرحى من المدنيين الذين سقطوا في قطاع غزة، بنيران الجيش الإسرائيلي، ليسوا سوى دفاع عن النفس، ارتقت تل أبيب، ضمن سياق تبرير السيطرة على سفينة «ماريان» التي كانت متوجهة إلى قطاع غزة أمس، إلى مرحلة من الإنكار و«الجرأة» بلغت حدّ نفي أن يكون قطاع غزة يخضع للحصار، رغم أنه لا يسمح بإدخال الكثير من المواد الطبية والغذائية إلى القطاع، وما يسمح في إعادة إعمار ما دمّره الجيش الإسرائيلي.
على خط مواز، ترى إسرائيل أن الحصار المفروض على قطاع غزة يأتي انسجاماً مع القانون الدولي، ووصفت محاولة اختراقه لإيصال المساعدات إلى سكان القطاع المدنيين بأنه مخالف للقانون. وعلى هذه الخلفية، أثنى رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو على "جنود البحرية الذين سيطروا على السفينة واعتقلوا الركاب الذين كانوا على متنها"، متهماً إياها بأنها "كانت تحاول الدخول إلى غزة خلافاً للقانون". ووصف نتنياهو الأسطول بأنه "مليء بالنفاق والأكاذيب التي تساعد حركة حماس وتتجاهل كل الفظائع في منطقتنا".
وكان الجيش الإسرائيلي قد أعلن في وقت سابق أمس «أنهم سيطروا على إحدى السفن التابعة لأسطول الحرية 3 التي كانت في طريقها إلى قطاع غزة، لكسر الحصار المفروض عليها».
وأوضح الجيش، في بيان، «أن عملية السيطرة على السفينة كانت ناجحة، وجاءت بغية تفتيشها، بناءً على قرار من الحكومة الإسرائيلية».
ويتكوّن أسطول الحرية الثالث من خمس سفن (مركبان للصيد وثلاث سفن سياحية)، أولاها سفينة «ماريان» التي يسافر على متنها الرئيس التونسي السابق محمد المنصف المرزوقي، وثانيتها سفينة «جوليانو 2» التي سمّيت بذلك تيمّناً بالناشط والسينمائي الإسرائيلي جوليانو مير خميس، الذي قُتل في جنين عام 2011، إضافة إلى سفينتي «ريتشل» و«فيتوريو»، وأخيراً سفينة «أغيوس نيكالوس»، التي انضمت إلى الأسطول في اليونان.
من جهته، رأى وزير الأمن موشيه يعلون، تعقيباً على سيطرة سلاح البحرية الإسرائيلي على سفينة «ماريان»، أن الأسطول الذي كان متوجهاً إلى قطاع غزة «ليس إنسانياً ولا يهتم لرفاهية أحد». واتهم المشاركين فيه بأنهم يرغبون في مواصلة نزع الشرعية عن إسرائيل. وأكد يعلون أن إسرائيل «هي الجهة الوحيدة في المنطقة التي تتيح دخولاً دائماً للبضائع المختلفة وتنفيذ مشاريع إنسانية». مع ذلك، برر يعلون الإجراءات التي تتخذها إسرائيل بأنها «تهدف إلى منع تهريب وسائل قتالية تستخدم ضدنا»، من دون أن يشير إلى أن عمليات المنع تتجاوز الأسلحة وتشمل الكثير من المواد الطبية والغذائية والعمرانية.
من جهته، علق وزير التربية ورئيس حزب «البيت اليهودي»، نفتالي بينيت، على محاولة خرق حصار غزة بالقول إن الفلسطينيين «يذكّروننا من أسطول إلى آخر بأنهم ليسوا شركاء للسلام، بل شركاء للإرهاب في البحر والجو والبر، ومع تلك الأساطيل أيضاً فإن فرص الفلسطينيين في الحصول على دولة قد تدنى إلى القعر». ورأى بينيت أن «عشر سنوات على فك الارتباط كشفت وجه الفلسطينيين. وبدلاً من استثمار شاطئ بحر غزة استثمروا أساطيل الإرهاب، وبدلاً من الاستثمار في التطوير المدني، استثمروا في تطوير وسائل قتل المدنيين، وبدلاً من الاستثمار في تربية أولادهم حوّلوهم إلى مساعدين للإرهاب».
في غضون ذلك، رأى رئيس حزب «المعسكر الصهيوني»، يتسحاق هرتسوغ، خلال جولة في بلدات غلاف غزة، أن نتنياهو «لم يحقق الهدوء، ولم يهزم حماس ولم ينزع أسلحة غزة». وأضاف هرتسوغ بلغة مستهزئة أن «سيد الأمن نتنياهو يجيد الحديث فقط، ويتهرب من القرارات، يغوص في غزة ويقودنا إلى الجرف الصامد 2 وإلى الرصاص المصبوب 4».
وشدد على ضرورة منع تحول سكان الغلاف وجنوب إسرائيل إلى «لحم للمدافع». ورأى أنه منذ عملية «الجرف الصامد» لم يتغير شيء تقريباً. واتهم نتنياهو بأنه كالعادة يتهرب ويغطي على الفشل بتوجيه رسائل مبهرجة، موضحاً أنه لا يمكن إيجاد حل للخوف في غلاف غزة بالكلام المعسول.
وأكد هرتسوغ أنه لو كان رئيساً للحكومة «كنت سأجند العالم وحلفاءنا في المنطقة من أجل نزع سلاح غزة مقابل الترميم»، داعياً إلى متابعة الحوار مع مصر، ومع جهات أخرى، وإلى ضرورة الفصل بين سكان غزة وسلطة «حماس»، وإعادة السلطة الفلسطينية إلى المعابر داخل غزة، ودفع عملية عاجلة لإضعاف سلطة «حماس» وتعزيز الجهات المعتدلة في الشارع الفلسطيني».
في المقابل، وصفت القيادية في «المعسكر الصهيوني»، تسيبي ليفني، عملية الجرف الصامد بأنها «تميزت بإصرار واستعداد". وقالت ليفني، التي كانت عضواً في حكومة نتنياهو آنذاك، إن «الحملة تميّزت بإصرار واستعداد الجنود للتضحية، وانتهت بالتردد السياسي».