في السابق، لم تُخفِ إسرائيل أهدافها في الحرب السورية ومن خلالها، والآن لم يتردّد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في الكشف والتأكيد أن ما يهمه من وقف النار، الذي رحّب به خلال افتتاح جلسة الحكومة، هو أن لا «يسمح (الاتفاق) بتعاظم إيران في جنوب سوريا».
وفي مواجهة هذا السيناريو المقلق، أكّد نتنياهو أن إسرائيل «ستستمر في متابعة ما يجري خلف الحدود من ضمن موقف ثابت على الخطوط الحمراء الخاصة بنا، ومنع تمركز عسكري لحزب الله وإيران». وفي ضوء الإنجازات التي حققها الجيش السوري وحلفاؤه، وانعدام الأفق أمام إمكانية إعادة تغيير موازين القوى في الساحة السورية، حدَّد رئيس الوزراء الإسرائيلي، خطوطه الحمراء بالنقاط الآتية: «منع تعاظم حزب الله، مع التشديد على السلاح الدقيق، منع تمركز بري لحزب الله قرب الحدود أو تمركز قوات إيرانية، ومنع تمركز عسكري إيراني في سوريا كلها».
ومع أن إسرائيل لم تكن شريكاً مباشراً في المفاوضات بين روسيا والولايات المتحدة، إلا أن الطرف الأميركي تبنى مواقفها وهواجسها الأمنية، فيما تواصل نتنياهو مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وفي كلتا الحالتين أكد أيضاً خلال جلسة الحكومة، أنه في «الأسبوع الماضي تحدثت بعمق مع وزير الخارجية الأميركي (ريكس) تيلرسون ومع الرئيس بوتين، وقالا لي إنهما يفهمان مواقف إسرائيل وسيهتمان بمطالبها».

التكيّف الإسرائيلي الرسمي
مع سقف ترتيبات وقف
النار كان لافتاً

على خطٍّ موازٍ، لفت وزير الأمن أفيغدور ليبرمان، خلال مقابلة مع إذاعة الجيش، إلى أن إسرائيل تلقت إطاراً للاتفاق فقط، مؤكداً بأنها ستدرس كافة التفاصيل بعد الحصول عليها. وشدّد على أن هذا الاتفاق هو «بين الولايات المتحدة وروسيا، ونحن لسنا جزءاً من هذا الاتفاق». وفي ما يتعلق بالاعتداءات الإسرائيلية على الساحة السورية، أكد أنّه «ليس هناك أيّ قيود على حرية عمل الجيش»، وبالتالي فإن تل أبيب «ستحافظ في كل الأحوال على حرية عمل كاملة».
مجرّد أن تكون ساحة تطبيق اتفاق وقف النار هي الجنوب السوري، وتحديداً المنطقة المتاخمة للجولان، يعني أن إسرائيل هي الطرف الأكثر اهتماماً بهذه القضية، لكونها تتصل مباشرة بأمنها، حتى لو لم تكن طرفاً مباشراً في الاتفاق. على هذه الخلفية، ذكرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» أنّه «لو لم تلتزم إسرائيل أمام الأميركيين مراقبةَ تطبيق الاتفاق من قبل حلفائها في الجانب السوري للجولان، لما كان يمكن تخيّل التوصل إلى اتفاق وقف النار». وأرجعت الصحيفة هذا التأثير لإسرائيل إلى العلاقات التي تنسجها مع فصائل الجماعات المسلحة.
مع ذلك، كان لافتاً جداً، التكيّف الإسرائيلي الرسمي مع سقف ترتيبات وقف النار الذي تفصله هوة واسعة وعميقة عن سقف الطموحات التي كانت تسعى إليها تل أبيب في الساحة السورية، في البداية كان الرهان على إسقاط الرئيس بشار الأسد، ونقل الدولة السورية إلى المحور الحليف للمعسكر الغربي، والمعادي لمحور المقاومة وحزب الله واستمر هذا الرهان طوال السنوات التي تلت. إلى أن قال الميدان كلمته وباتت الجماعات المسلحة أعجز عن الصمود في مواجهة الجيش وحلفائه. الأمر الذي تطلّب الحضور المباشر للقوى الإقليمية والدولية من أجل إحداث قدر من التوازن. وهكذا مع توالي التطورات الميدانية والسياسية، تتركز الأولويات الإسرائيلية على ما يحدّ من تفاقم الخطر الأمني عليها، بفعل تقدم الجيش وحلفائه. واستناداً إلى هذه الرؤية تحول اتفاق وقف النار الذي يهدف إلى إبعاد حزب الله والإيرانيين عن حدود الجولان، «إذا ما تمت المحافظة عليه، كإنجاز سياسي مهم لإسرائيل».
مع ذلك، فقد جرى التوصل إلى اتفاق وقف النار بين موسكو وواشنطن، حيث يفترض أن للطرفين مصلحة مشتركة واضحة في ذلك. على هذه الخلفية، يبدو أن من التقديرات السائدة في تل أبيب التي تفسر التوصل إلى هذا الاتفاق، بحسب تقارير إعلامية إسرائيلية، أن الولايات المتحدة ترى أن حلفاءها في المنطقة، إسرائيل والأردن، يشعران بالتهديد نتيجة تقدم الجيش وحلفائه في الجنوب السوري. ونتيجة ذلك ترتفع وتيرة إطلاق التهديدات التي تهدف إلى كبح هذا المسار. في المقابل، ترى روسيا أن من مصلحتها عدم التسبب أو السماح بتدهور يؤدي إلى مواجهة إقليمية – دولية، خاصة أنها ترى في ذلك تهديداً لدمشق والإنجازات التي حققتها حتى الآن، فالاتفاق يحافظ على مجموعة من الثوابت المتصلة بمصالحها ومواقف الجهات الحليفة لها ومصالحها على الساحة السورية.
في هذا السياق، أكدت «يديعوت أحرونوت» أنّه «في إطار الاتفاق التزمت الولايات المتحدة الحفاظ على وقف النار بواسطة التأثير على حلفائها، الإسرائيليين والأردنيين. في جنوب هضبة الجولان وحتى جبل الدروز سيعمل الأردن والولايات المتحدة معاً لكي يوقف حلفاؤهم في الجانب السوري إطلاق النار. وفي قطاع القنيطرة، لا يوجد أي عامل يمكن الأميركيين التأثير فيه، باستثناء إسرائيل التي ينسب إليها التأثير إلى حد معيّن في المنظمات المسلحة، وهو ما يلزمها بأن تلتزم المعادلة عملياً. أما الروس، فقد التزموا التأثير في الجيش السوري وحلفائه لوقف النار بواسطة آلية مراقبة تتألف من كتيبة شرطة عسكرية روسية، ووحدات محاربة سيجري فور هبوطها في سوريا إعلانها كشرطة عسكرية روسية، وستتولى الحفاظ على النظام. هذه الكتائب ستنتشر في المحافظات الثلاث التي يفترض أن يسود وقف النار فيها، بما في ذلك منطقة القنيطرة».
رغم ما تقدم، رأت «يديعوت» أن فرص صمود وقف إطلاق النار تبقى صغيرة، لأن كل ترتيب بين الولايات المتحدة وروسيا في سوريا يرتبط بمنظومة العلاقات بين القوتين العظميين في قطاعات ومجالات أخرى، حيث يسود الصراع والتعارض.




خشية من التمركز خلف «المنطقة الآمنة»

ذكرت «القناة العاشرة» في التلفزيون الإسرائيلي، أن وجود رقابة روسية على «المنطقة الآمنة» في المنطقة المتاخمة للجولان المحتل، أمر مهم لإسرائيل، لأنه سيكون خالياً من القوات الإيرانية ومن حزب الله. ولكن هناك أمران يقلقان المؤسسة الأمنية في إسرائيل: الأول، هل ستكون هناك رقابة روسية فعلية، وكيف ستجري. وهذا سيعطي شرعية لإيران وحزب الله بالتمركز خلف المنطقة الآمنة بموافقة الولايات المتحدة. والأمر الثاني، هل سيؤثر هذا الأمر في حرية عمل الجيش في سوريا. وهل سيعتبر كل عمل من الجيش خرقاً إسرائيلياً لاتفاق وقف النار. على خط موازٍ، كشفت صحيفة «هآرتس» عن وجود خشية في تل أبيب والرياض والقاهرة، من انسحاب جزئي من المنطقة بعد حسم المعركة مع «داعش» في العراق وسوريا. وأضافت الصحيفة أنّ الخشية هي من أن تخلي الولايات المتحدة الساحة لروسيا، والأشد خطورة، للإيرانيين. وتشمل الخشية الإسرائيلية من إمكانية أن تملأ إيران الفراغ الذي ستخلفه الولايات المتحدة على الحدود السورية العراقية، وللوضع في جنوب سوريا.