كشفت مصادر دبلوماسية عربية لـ«الأخبار» أنّه منذ اليوم الأول لبدء السعودية ومصر والإمارات العربية المتحدة والبحرين «حصار» قطر، برز تمايز بين هذه الدول، بما فيها البحرين التي (وإن كان لا يعوّل على موقفها)، تشكو من أنها مدعوّة فقط لتنفيذ القرارات. وقد أبدت المنامة في وقت سابق، كما القاهرة، امتعاضها من محاولة الرياض وأبو ظبي حصر الملف بهما فقط.
وقالت المصادر إنّ الإمارات تظهر حماسة استثنائية للتصعيد والذهاب في المواجهة حتى النهاية. وهي، في هذا السياق، تقترح على الدوام برنامج عقوبات يجعل قطر في وضع «الاستسلام لا التفاوض» إن أمكن. أما السعودية، التي تريد آليات ضغط قاسية، فهي مع فتح الباب أمام احتواء الإمارة، وخصوصاً أن ولي العهد الجديد محمد بن سلمان وجد نفسه أمام مهمة تطويع جميع القيادات السعودية داخل العائلة الحاكمة وخارجها، ومنع أي معارضة لتوليه إدارة البلاد. وتضيف المصادر أنّ للسعودية أسباباً أخرى، من بينها حذرها في فتح ملفات يمكن أن تصيبها لاحقاً، وخصوصاً في ما يتعلق بملف الحريات والإرهاب.
أما مصر فقد ظلّت، رغم الحملة القطرية القاسية ضدها، تريد الخطط المدروسة ولا تنوي الذهاب بعيداً، وخصوصاً أنها ليست متوافقة على كل الأهداف مع الآخرين، كما أنها وضعت مسبقاً سقفاً لخطواتها، وهي ليست في وارد التوجه نحو مواجهات تتطلب منها مساهمات غير سياسية. وأوضحت المصادر أنه بعد الإعلان عن المقاطعة وفرض الحصار على قطر، بالغ السعوديون والإماراتيون في النتائج المتوقعة. وهو أمر تجنّبه المصريون الذين يعتقدون بأن الإجراءات العقابية من شأنها التأثير السلبي الجدي على قطر، وأنّ طول الفترة سيترك أثره الأكبر أيضاً. بينما ضغط الإماراتيون للبدء بجرعة ثانية وسريعة من العقوبات التي يعتقدون أنها ستربك النظام القطري وتدفعه الى التنازل، أو إلى المواجهة الشاملة التي تبدي أبو ظبي رغبة فيها.
لكن الرياض عادت سريعاً إلى ربط خطواتها اللاحقة بنتائج الاتصالات مع الولايات المتحدة والغرب. علماً بأنّ قطر تسعى أيضاً إلى حصر التفاوض مع دول الخليج. ويبدو أنّها اقترحت على الأميركيين أن ينظموا اجتماعات مع السعودية والإمارات والبحرين لكنها رفضت إنضمام مصر إليها. الجميع في انتظار نتائج زيارة وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون الذي يأمل انجاز مهمة ناجحة خلال وقت قصير.
وتكشف المصادر أنّ اختيار القاهرة مكاناً لعقد الاجتماع التشاوري عقب الرد القطري على لائحة مطالب الـ 13 لم يكن صدفة. وليس صحيحاً أنه جرى بناءً على رغبة سعودية ــــ إماراتية بمنح القاهرة دوراً إضافياً أو توريطها، بل جاء استجابة لنصائح وضغوط ــــ بعضها مباشر ــــ من عواصم غربية، بينها واشنطن، أرادت من الاجتماع عدم التصعيد... وهو ما حصل.

مسؤول كويتي:
كان واضحاً أنهم يريدون منّا حمل وثيقة الاستسلام إلى قطر


وتقول المصادر إن الاتصالات التي أجراها الرئيس الأميركي دونالد ترامب قبل يومين من اجتماع القاهرة مع قادة السعودية والإمارات وقطر هدفت إلى احتواء التصعيد. لكن اتصال ترامب بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي تضمن طلباً مباشراً من القاهرة بالتهدئة والبحث في سبل وضع إطار «قابل للحياة والتفاوض» في المرحلة اللاحقة. وجرى الاتفاق بين القاهرة وواشنطن على حصر الأمر بمطلب «وقف دعم الإرهاب تمويلاً وتحريضاً». وفي هذا السياق، يتناقل دبلوماسيون عرب في القاهرة معلومات عن الاجتماعات، سواء الأمنية التي سبقت اجتماع وزراء الخارجية أو الاجتماع نفسه. وفي هذه المعلومات، أنّ الجانب المصري كان مصرّاً على التهدئة وعدم الانفعال، وجرى التفاهم على آلية لدرس الخطوات المقبلة، كما اتُفّق على تأخير اصدار بيان عن الدول الأربع والاكتفاء ببيانات صحافية يوم الاجتماع، وهذا ما حصل.
ولفتت المصادر الدبلوماسية العربية إلى أنّ أهم قرار صدر عن اجتماع القاهرة، هو اعتبار لائحة المطالب الأولى (13 بنداً) لاغية، وأن الحديث يدور الآن حول بند متعلق بالإرهاب. وفي هذا السياق، كشفت أنّ عدم اهتزاز الموقف القطري في الأيام الأولى للأزمة، والهجوم الدبلوماسي المضاد للدوحة وعدم وجود موقف موحد داخل الإدارة الأميركية، سمح لقطر، ولداعمين لها في الغرب، باعتبار أن الطريقة التي اتُّبعت غير مجدية، وخصوصاً أن في دول غربية عدة، وحتى في مؤسسات الاستخبارات والدفاع الأميركية، هناك من يعرف أنّ ما قامت به قطر جرى بعلم هذه الدوائر، وأنّ دعم المجموعات الإرهابية في أكثر من منطقة عربية يشمل السعودية أيضاً بشكل خاص.
أضف إلى ذلك ما نقل عن مسؤول كويتي رفيع من أن الأمير صباح الأحمد الجابر الصباح الذي تولى الوساطة، سمع كلاماً متناقضاً من مسؤولي دول الحصار، وهو تنبّه منذ اليوم الأول الى أنّ هناك من لا يريد حلاً. وقال المسؤول: «في اليوم الذي أُرسلت فيه المطالب، كان واضحاً أنهم يريدون منّا حمل وثيقة الاستسلام والعودة بتوقيع الجانب القطري عليها. هذا لا يسمى دور وساطة، بل دور الرسول الذي ينقل البلاغ. وهو أمر لا تجد الكويت نفسها مضطرة للقيام به». وبحسب المسؤول الكويتي، فإن الجميع متفهم للحاجة إلى «ضبط» السلوك القطري، لكن الأمور لا تسير وفق هذا المنطق. ونفى المسؤول أن تكون الكويت قد طلبت مساعدة الغرب، لكنها أبلغت العواصم الغربية وجهة نظر «منطقية» لجهة اعتبار المطالب «تعجيزية». وهو أمر تطابق مع مواقف عواصم غربية اعتبرت أن الغرض السياسي والإعلامي من لائحة المطالب قد استنفد، وأن الحوار الجدي يجب أن يأخذ شكلاً مختلفاً. مع الإشارة هنا إلى أنّ الجانب الكويتي فشل في إقناع جميع الأطراف بعدم تسعير الحملة الإعلامية المتبادلة، وكل ما أمكنه كان إقناع الأمير القطري تميم آل ثاني بعدم إلقاء خطاب قد يعقّد أي محاولة للتوسّط مع الآخرين.




«مطالب جديدة قابلة للتنفيذ»


قالت مصادر دبلوماسية عربية في القاهرة إنّ خلاصة النقاشات والاتصالات والوساطات التي جرت في الأسابيع الماضية، أفضت إلى نتيجة تفيد بأنّ التركيز يجب أن يكون على امكانية إقرار تسوية ترضى عنها دول الحصار أولاً، وتحظى بدعم غربي ثانياً، وتكون، أيضاً، قابلة للتنفيذ من الجانب القطري.
وتضيف المصادر أنّ الدوحة قرّرت رفع شعار «التماثل في الخطوات»، استناداً إلى نصائح عربية ودولية بعدم الذهاب بعيداً في المواجهة. ويعكس هذا الشعار استعدادها للسير في خطوات «شرط أن تلتزم بها بقية الدول الخليجية». وحسب المصادر فإن النقاش ينحصر الآن في ملف «الارهاب»، وتحت العناوين التالية:
ــــ استغناء قطر طوعاً عن كل هوامش المناورة الخاصة بها في التعامل مع كل المعارضين المدنيين أو العسكريين الذين يعملون في سياق مناقض لاستراتيجية الرياض.
ــــ تتعهد الدوحة بالامتناع عن دعم أي وجهة أو شخصية أو جهة معارضة في دول مجلس التعاون الخليجي ومصر، وتتولى إعادة صياغة علاقتها مع «الإخوان المسلمين»، بما يتناسب والسياسة العامة لمجلس التعاون ومصر. وتأخذ، أيضاً، في الاعتبار مساعي الغرب اوضع اسم التنظيم على اللوائح العالمية للتنظيمات الارهابية.
ــــ توافق قطر على عمليات تدقيق تمنع «تسرب» الأموال إلى هذه المجموعات سواء مباشرة من خلال بعض الأفراد أو الشركات التجارية الوهمية، أو من خلال الجمعيات الخيرية.
ــــ تتعهد الزام وسائل الاعلام التابعة لها بسياسة جديدة، على قاعدة الالتزام بوقف التحريض المباشر ضد أي حكومة في دول المقاطعة، أو الترويج لنشاط وعمل المجموعات المسلحة في الدول العربية، والتوقف عن دعم أي نشاط سياسي أو ثقافي يخصّ هذه المجموعات أو الداعمين لها.
ــــ تلتزم انجاز خطّة خلال فترة معينة، تنتهي بابتعاد غالبية المعارضين لأنظمة الحكم في دول الحصار، ويتمّ اخضاع من يبقى إلى شروط شبيهة بتلك المعتمدة في سلطنة عمان، لجهة الزام كل لاجئ سياسي بعدم القيام بأي نوع من النشاط السياسي.
ــــ تلتزم الإطار المعتمد حالياً من قبل الدول الأربع في طبيعة العلاقات التي تربطها بكل من تركيا وإيران، مع تركيز من جانب السعودية على ضرورة الغاء أي نوع من التواصل بين قطر وبين قوى سياسية مثل حركتي «حماس» و«الجهاد الاسلامي» في فلسطين و«حزب الله» في لبنان.





حقيقة الاتصالات مع روسيا وإيران وحزب الله



في سياق الحملة الدبلوماسية القطرية التي قامت إثر إعلان الحصار عليها، سعت الدوحة إلى التواصل مع الجانبين الروسي والإيراني، لكن وتيرة التواصل ظلّت خاضعة لحسابات معينة. فقررت التوجّه مباشرة إلى موسكو والبحث معها في كلّ الملف، وسمع القطريون من الروس ملاحظات حول أداء الدوحة في عدد من مناطق التوتر. وقد سرّب الروس لاحقاً، أنّ النقاش تطرّق بشكل خاص إلى الملف السوري. وقال الروس إنهم لمسوا استعداداً قطرياً لتعديل وجهة تعاملها مع الملف السوري بما يساعد على خطة موسكو لإنشاء مناطق خفض التوتر، ولا سيما أنّ الروس أشاروا مراراً إلى دور قطري معقول في إقناع «معارضي الشمال» (أي المنتشرين في «إدلب الكبرى»)، لأجل القبول بالتسويات المعروضة، وأنه يمكن لقطر إنجاز الأمر بالتعاون مع الجانب التركي.
أما إيران، فقد حرص القطريون على مستوى من التواصل الهادف أولاً إلى الإعلان عن رفض مطالب دول الحصار بقطع العلاقة معها. لكن الجانب الآخر من التواصل، شمل ملفات تعاون اقتصادي وتجاري، وتكثيف الحوار حول رغبة الدوحة برفع مستوى الإنتاج في حقل الغاز الشمالي المشترك مع إيران.
لكن في السعودية من يتهم القطريين بأنهم طلبوا من طهران توفير حماية أمنية للمياه الإقليمية، بعدما صارت قطر تحتاج إليها لأجل ضمان سير الرحلات التجارية البديلة من الخطوط البرية أو الجوية التي تضررت بفعل قرار دول الحصار. حتى إن أبو ظبي تتهم الدوحة بأنّها أبرمت تفاهماً مزدوجاً مع إيران وسلطنة عمان، بحيث توفّر إيران أشكالاً مختلفة من الدعم، على أن يتم ذلك عبر شركات عُمانية.
أما بما يخصّ حزب الله، فان الإمر لا يتجاوز «تسخين الهواتف» التي لم تغلق بين الجانبين طوال السنوات الماضية. وإن كان الطرفان قد تعاونا في ملفات سياسية ــ إنسانية تتعلق بعمليات تبادل جرت مع مجموعات مسلحة في سوريا، أو دعم حزب الله الوساطة التي أدّت إلى الإفراج عن الصيادين القطريين الذين احتجزوا في العراق.