وصفت زيارة رئيس الحكومة الهندية، ناريندرا مودي، لفلسطين المحتلة، أمس، إسرائيلياً بـ«التاريخية»، وهي أول زيارة لرئيس حكومة هندي منذ زرع كيان إسرائيل في المنطقة. مع ذلك، تأتي الزيارة في الواقع تتويجاً لما وصلت إليه العلاقات الثنائية وتناميها المطرد بين الجانبين في السنوات الأخيرة: «العملاق الهندي» وإسرائيل.
هذا ما أكده رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، مع بدء جلسة الحكومة قبل يومين، إذ قال إن «الزيارة تعبّر عن توثيق العلاقات بيننا وبين الهند في السنوات الأخيرة، وتعبر أيضاً عن تشارك بيننا وبينهم في التطلع إلى نسج علاقات راسخة»، مشدداً على أن «الزيارة ستعزز التعاون القائم في كل المجالات، بما يشمل الأمن والزراعة والمياه والطاقة، بل في الواقع، كل مجال تعمل فيه إسرائيل».
ما يميز زيارة مودي أيضاً أنها تحقق أحد أهم التطلعات الإسرائيلية التي توصل، مع جملة خطوات أخرى، إلى «خنق» القضية الفلسطينية وإنهاء الاهتمام الدولي بها، حتى من ناحية بروتوكولية شكلية كانت عادة متبعة لدى المسؤولين الدوليين، في زياراتهم لتل أبيب. فالزيارة، كما جرى التشديد إسرائيلياً، لا تشمل «أراضي السلطة الفلسطينية ورئيسها محمود عباس»، الأمر الذي يمثل أهم النتائج المحققة إسرائيلياً.
مدة زيارة رئيس الوزراء الهندي ثلاثة أيام، وتتخللها لقاءات رسمية وزيارات لمنشآت ومصانع إسرائيلية، وتوقيع اتفاقات اقتصادية وتعاون في مجالات عدة، أهمها «التعاون التكنولوجي»، في حين أن «التعاون الأمني»، وصفقات التسليح والتطوير المشترك للوسائل القتالية، لن تكون مدار اهتمام خاص حالياً لأنها تسلك مسارها عبر قنوات أخرى بينية وصلت إلى حد التكامل بين الجانبين، وهي لا تحتاج إلى أي دفع أو تعزيز.
والعلاقات بين إسرائيل والهند، وفق أدبيات الأولى، كالعلاقة بين مارد ضخم اسمه الهند، وبين «البقّة» الشرق أوسطية، إسرائيل. ضمن هذا المعطى، أي اتفاقٍ بين الجانبين سيكون في مصلحة إسرائيل اقتصادياً وأمنياً وسياسياً، وذلك في زمن تتقلص فيه الفوائد الإسرائيلية نسبياً في علاقاتها مع الدول الغربية، عدا الولايات المتحدة. كما أن الهند من هذه الناحية هي الجواب الأمثل، نظراً إلى ضخامة هذه الدولة ومواردها التي لا تنضب، وكذلك حاجاتها الاقتصادية والأمنية، ربطاً بديموغرافيتها وجغرافيتها الهائلة.
في الوقت نفسه، ترتبط تنمية العلاقات مع الهند من ناحية إسرائيل بالتهديدات الأمنية، وتحديداً من ناحية العدو الأول، إيران. فتل أبيب حريصة على أن تصل الاتفاقات بين الجانبين، وتحديداً في «التعاون الأمني» إلى الحد الذي يمكّن الأولى من استغلال الهند في صراعها مع طهران. وإذا نجحت في ذلك، تكون قد كسبت حليفاً يمكّنها من استكمال تهديد إيران من الشرق، بعدما نمت علاقاتها مع أذربيجان، الجارة الشمالية للجمهورية الإسلامية.
هذا المعطى ــ الهدف هو الذي يدفع الولايات المتحدة إلى تشجيع العلاقات بين الجانبين وتسهيل تنميتها والسماح بالاتفاقات الأمنية والتسليحية الإسرائيلية للهند، رغم أن لواشنطن أهدافاً أخرى ترتبط أيضاً بالصين وروسيا، إذ إن استمالة الهند بالواسطة الإسرائيلية أيضاً، ومن مكانتها وموقعها الجغرافي، تؤمن لها إزعاج الدولتين والضغط عليهما.
في المقابل، تنظر الهند إلى تنمية العلاقات مع إسرائيل كأنها ولاية أميركية تتيح لها في البعد العسكري والأمني والتكنولوجي «تعاوناً» من دون قيود، وهو ما يسمح لها بالقفز فوق القوانين الأميركية التي عانت نيودلهي منها في السنوات الماضية، ومما يمكن توصيفه «السلوك المتعرج» الأميركي إزاءها، علماً بأن الاتفاقات الأمنية بين الجانبين، إسرائيل والهند، هي في الأصل لا تمرر ولا يمكن تصور تمريرها، من دون رضى أميركي.
في المضمون، كانت العلاقات الهندية الإسرائيلية قائمة بلا انقطاع، منذ خمسينيات القرن الماضي، إذ اعترفت الهند بإسرائيل عام 1950، أي بعد عامين من إقامة الكيان الإسرائيلي، ولم ينقطع التواصل الذي شمل التعاون الأمني والعسكري والاقتصادي خلال الحرب الباردة وفي أعقابها. لكن حال دون إعلان هذه العلاقة في الشكل خشية الهند من رد الفعل العربي، كون ذلك يؤثر سلباً في القضية الفلسطينية، لكن بعدما تخلى العرب عن فلسطين، لم يعد لديها أي خشية، وما كان يجري في الخفاء النسبي، بات بالإمكان إعلانه بلا حرج أو تداعيات، إذ تدرك نيودلهي أن واردات النفط العربي لن تنقطع، وتجارتها مع الدول العربية لن تتضرر، واليد العاملة الهندية لن تتأثر في الدول الخليجية التي تتجه هي نفسها إلى التحالف مع إسرائيل.
وكان رئيس الحكومة الهندية قد وصل أمس، ومن المقرر أن يشارك في مؤتمر لتوقيع اتفاق صناعي مع إسرائيل في مجال الابتكارات ومشروعات مائية مشتركة، وكذلك اتفاق تعاون في مجال الفضاء. كذلك كان على رأس المستقبلين لمودي، نتنياهو، وعدد من وزراء حكومته، الذي أكد أمام الضيف الهندي ترحيبه بالزيارة، قائلا: «أنت قائد عظيم للهند وللعالم»، ومعرباً عن ثقته بدفع العلاقات الثنائية قدماً بين الجانبين و«كسر الحواجز بينهما». وواصل مخاطبة ضيفه: «عندما التقينا في الماضي في أول حديث بيننا، قلت لي إن حدود العلاقات بين إسرائيل والهند هي السماء... وأنا أقول إن ذلك أكثر من السماء».