إسطنبول | كان يخطط لأن يكون «سلطان سليم» جديداً، إلا أن أبو بكر البغدادي نافسه على «مرج دابق»، وسبقه في إعلان خلافته التي كان يحلم بها بعدما دغدغ الربيع العربي مشاعره العثمانية التي كادت تجعل منه سلطاناً على المسلمين السنّة فقط.هذا هو الوصف الدقيق للرئيس رجب طيب أردوغان... «دون كيشوت» تركيا الجديد، ومساعده «سانجو» أحمد داود أوغلو اللذان استهلكا كل أوراقهما طيلة السنوات الأربع الماضية حيث فشلا في كل المشاريع والخطط والبرامج.

اعتقدا بل آمنا بأن حكم «الاخوان» في تونس ومصر وليبيا والمغرب واليمن سيفتح لهما آفاقاً جديدة بالمال السعودي والقطري، ولم يكن لهما إلا همّ واحد هو التخلص من كل ما هو آخر في المنطقة.
وهذا ما سعى من له أردوغان وداود أوغلو، واستنفرا من أجله كل ما هو معقول وغير معقول، بما في ذلك فتح الحدود التركية أمام الآلاف من «المجاهدين» لدخول سوريا والانضمام الى «داعش» و«النصرة» وغيرهما من الجماعات الارهابية التي أوصلت سوريا الى ما وصلت إليه. وها هو أردوغان يتذرع هذه المرة بهذه الجماعات ليقول إنّها باتت تشكل خطراً على الامن القومي لبلاده؛ فقد قال منذ أحداث تل أبيض إنه «لن يسمح بقيام كيان كردي مستقل في الشمال السوري». وعقد من أجل ذلك العديد من الاجتماعات السرية والعلنية مع القيادات العسكرية والاستخبارية من دون أن يفكر في الانعكاسات المُحتملة لأي تدخل عسكري ضد أكراد سوريا على أكراد بلاده، وهم خمس أضعاف الاكراد السوريين. وسعى بعد أيام لتخفيف وطأة هذا الحديث ليقول إنّ الجيش سيدخل سوريا في منطقة تمتد مئة كيلومتر بين جرابلس وشمال عفرين لمنع «داعش» من السيطرة على معبري باب الهوى وباب السلامة اللذين تسيطر عليهما الآن«الجيش الحر» و«الفصائل التركمانية». وكأن الجيش سيدخل لحماية المجموعات المذكورة، وهي جميعاً موالية لتركيا التي يعرف الجميع أنها منذ الازمة تتحدث عن حزامها الأمني داخل سوريا لتنطلق منه باتجاه حلب.

أنقرة لن تستعدي «داعش» ما دامت
لم تحسم موضوع
الأكراد

فالجميع يعرف أن أنقرة لا تريد أن تستعدي «داعش» ما دامت لم تحسم موضوع الأكراد شمال سوريا، كما لم تحسم مستقبل النظام في دمشق. فقد سعى داود أوغلو، طيلة السنوات الماضية، إلى إقناع قيادات «الاتحاد الديمقراطي» الكردي السوري بضرورة التمرد على النظام في دمشق، ولكن عندما فشل قررت أنقرة دعم «داعش» لتضييق الحصار على الاكراد، بعد أن فشلت في إقناع الرأي العام الداخلي والخارجي بأن «داعش» و«الديمقراطي» الكردي «صنيعة الأسد».
وفي الوقت الذي يتحدّث فيه الاعلام التركي منذ أكثر من شهر عن مغامرات أردوغان الذي أراد إلغاء الانتخابات، فأمر رئيس الأركان نجدت أوزال بداية حزيران الجاري باجتياح الاراضي السورية، قالت المعلومات إنّ أوزال رفض هذه التعليمات الشفهية، وطلب كتاباً رسمياً يأمر بموجبه الجيش للإعداد لمثل هذا الاجتياح، ولكن من دون أن يهمل تذكير الحكومة بالانتباه لردود فعل إيران وروسيا والجيش السوري. وكان هذا التوتر آنذاك كافياً بالنسبة إلى رئيس الأركان ليخرج في إجازة مرضية لمدة أسبوعين، وسط المعلومات التي تتوقع أن يستقيل من منصبه قبل اجتماع مجلس الشورى العسكري بداية آب المقبل، فيما تتحدث المعلومات عن أن اجتماع مجلس الامن القومي اليوم سيضع النقاط على الحروف في خطط ومشاريع أردوغان الذي قال عنه الكثيرون إنه يسعى لمغامرة خطيرة في سوريا، ليكون ذلك مبرره الرئيسي لعرقلة تشكيل الحكومة الائتلافية الجديدة.
ذلك يأتي بعد أن بات واضحاً أن الحكومة القادمة، وأياً كان المشاركون فيها، لن تقبل بأي دور فعال للرئيس في الحياة السياسية التي سيسعى أردوغان للبقاء فيها، ليس فقط من خلال مغامرة خطيرة، بل أيضاً من خلال كسب الود الاميركي في حال إقناع واشنطن بأن الجيش التركي سيدخل سوريا للقتال ضد «داعش»، على أن يكون ثمن ذلك هو المزيد من الدور التركي في المعادلات الإقليمية، وتأجيل موضوع الاكراد السوريين الى ما بعد الحل المحتمل للأزمة السورية.
وحتى ذلك التاريخ، سيعرقل أردوغان تشكيل الحكومة الجديدة خلال مدتها الدستورية، أي ٤٥ يوماً. هذه المدة ستكون كافية لإلهاء الرأي العام الداخلي بقضية «قومية ساخنة» حتى الإعلان عن انتخابات مبكرة بعد ٣ أشهر يستغلها لكسب تأييد الشارع بانتصارات سيحققها ضد الأكراد و«داعش» والرئيس السوري، ليبقى هو المنتصر الوحيد برضى أوباما والعواصم الغربية. ويبقى السؤال الأخير والأهم بالنسبة إلى أردوغان: ماذا سيفعل بـ«دواعش» تركيا وهم ليسوا قلائل، حالهم حال الأكراد الذين لا ولن يتنازلوا عن أي من مكتسباتهم في سوريا وتركيا. وهم يملكون ما يكفيهم من السلاح والارادة والتعاطف الغربي للدفاع عن هذه المكتسبات، كما هم فعلوا ذلك لمدة ثلاثين عاماً عندما هزم خمسة آلاف من عناصر «العمال الكردستاني» الجيش التركي وقوامه مليون عسكري.
أردوغان سيقاتل هذه المرة 50 ألفاً من «الوحدات» الكردية وعدداً مماثلاً من «الدواعش» والآلاف من الجيش السوري، ليتصدا معاً لحملة جديدة من السلطان سليم... الذي ــ وللمناسبة ــ لم يكن محبوباً من آل سعود أيضاً!