بدّدت لائحة المطالب التي تقدمت بها الرياض وأبو ظبي، عبر الكويت، إلى الدوحة، التكهنات بشأن النيّات السعودية ــ الإماراتية من وراء الحرب التي أعلنتها هاتان الدولتان، ومعهما البحرين ومصر، على قطر.المطلوب واضح إذاً: ليس تأديب الإمارة الخليجية فقط، بل كسرها وإجبارها على التخلي عن أي وجه من وجوه التمايز أو الاستقلالية عن الدول التي تقود «مجلس التعاون». هذا ما توحي به اللائحة التي تضمنت، في ما تضمنته، قطع العلاقات مع جماعة «الإخوان المسلمين» ومع إيران، وإغلاق القاعدة التركية في الدوحة، وإيقاف قناة «الجزيرة» ومؤسسات إعلامية أخرى.

مطالب يبدو واضحاً، من طابعها التعجيزي، ومن الردود القطرية والإقليمية عليها، أنها لن تجد سبيلها إلى التنفيذ. وهو ما يفتح الباب على سيناريوات خطيرة، ليس الخيار العسكري، بالنظر إلى حجم التصعيد السعودي الإماراتي، منفياً منها.
حتى الآن، تستبعد الأوساط السعودية السيناريو العسكري، معتبرة إياه خطراً على مصالح جميع أطراف الأزمة، لكن تلويح وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي، أنور قرقاش، أمس، بـ«الطلاق» مع الدوحة، ينبئ بمزيد من الخطوات التصعيدية التي قد تشمل إخراج قطر من عضوية مجلس التعاون الخليجي، وعضوية جامعة الدول العربية، وإعلانها دولة معادية، وقطع ما تبقى من العلاقات التجارية معها، ورفع مستوى التحريض ضدها في الدوائر الغربية، وصولاً، ربما، إلى خطوات ذات طابع عسكري، لا تظهر مستحيلة في ظل تحكم «الرؤوس الحامية» في كل من الرياض وأبو ظبي. أما سيناريو العودة إلى حلول عام 2014، عندما تمت «ضبضبة» الخلافات بـ«خرقة» المصالحة الخليجية، فاحتمالات اللجوء إليه ضعيفة للغاية حتى الآن، على اعتبار أن التحالف السعودي ــ الإماراتي يريد اجتثاث «التمرّد» من جذوره، وأن الدوحة لن تقبل، في أي حال من الأحوال، تغييراً جذرياً في سياساتها، وهذا ما يجعل الوساطة الكويتية غير ذات معنى، كون القائمين عليها لن يكونوا قادرين، والحال هذه، على أكثر من توصيل الرسائل وإبداء التمنيات.

يبدو واضحاً من
طابع المطالب التعجيزي أنها لن تجد سبيلها إلى التنفيذ



وبالنسبة إلى السيناريو الأخير المتداول، والمتمحور حول بقاء الأزمة على حالها مدة طويلة من دون التوصل إلى حل نهائي، فهو لن يؤدي إلا إلى إضافة أزمة «ستاتيكو سلبي» جديدة إلى السجل السعودي، إلى جانب مآزق اليمن وسوريا والعراق. إضافة لن تكون، حتماً، في صالح الثنائي «ابن سلمان ــ ابن زايد»، الذي يبدو مندفعاً إلى تحقيق حسم ما، أقله في ساحة واحدة من ساحات الصراع، مستفيداً من الزخم الذي ولّدته زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب للمنطقة.
على الضفة القطرية، تشي المعطيات السياسية بأن الدوحة تحاول تأجيل «السيناريوات الأسوأ»، وإرساء «توازن رعب» يمكن أن يقيها مخاطر «الجموح» الإماراتي ــ السعودي. في هذا السبيل، تسعى الدوحة إلى كسر الحصار المفروض عليها، من خلال توسيع دائرة بدائلها على مستوى العمليات التجارية والملاحة الجوية. وعلى المستوى السياسي والإعلامي، تكثّف الإمارة الخليجية تحركاتها لكسب أصوات المزيد من الدول الغربية إلى جانبها، واستدرار موقف أكثر وضوحاً من واشنطن، و«تبييض» صورتها التي باتت موسومة بـ«الإرهاب». أما على المستويين العسكري والأمني، فتشرّع أبوابها لـ«الراعي التركي» الذي لا يظهر أنه في وارد التراجع عن خطواته الرافدة للدوحة، خصوصاً بعد إعلان أنقرة رفضها المطلب السعودي ــ الإماراتي بإغلاق قاعدة الريان. إعلان يعيد دق ناقوس الخطر من تحوّل الأزمة السياسية والدبلوماسية الخليجية إلى بؤرة توتر أكبر، تجتذب إليها دولاً إقليمية مؤيدة لكل من طرفي الأزمة.
في خضم ذلك كله، تبقى الخطوات السعودية والإماراتية مرهونة بالعنصر الأميركي، الذي يحاول، إلى الآن، لعب دور «ضابط الإيقاع»، وتثمير الأزمة لمصلحته، و«ابتزاز» طرَفيها بما يعود بالنفع على خزينته. لكن إلى متى ستظل واشنطن في وضعية إمساك العصا من وسطها، والحيلولة دون تدحرج كرة النار إلى أبعد ممّا وصلت إليه اليوم؟ وماذا لو وجدت مصلحتها، في الأيام المقبلة، في تلبية الرغبات المعتملة في رأسَي محمد بن سلمان ومحمد بن زايد، خصوصاً أن من سيدفع فاتورة أيّ تصعيد محتمل سيكون الخليجيين لا غيرهم؟ هنا، نكون أمام احتمالات «مرعبة» لم تعد ضرباً من الخيال.
ودعا البيت الأبيض، أمس، الدول الخليجية إلى حل الأزمة في ما بينها، واصفاً ما يجري في المنطقة بأنه «شأن داخلي». وأكد المتحدث باسمه، شون سبايسر، أن بلاده «لن تتدخل في الحوار بين أطراف الأزمة ما لم يُطلب منها ذلك»، مبدياً، في الوقت نفسه، استعداد واشنطن لـ«لعب دور من شأنه تسهيل المباحثات». بدوره، حضّ مسؤول في الخارجية الأميركية دول الخليج على «ضبط النفس من أجل السماح بإيجاد ظروف لمناقشات دبلوماسية بنّاءة». وحول قائمة المطالب التي سلّمتها الرياض وأبو ظبي للدوحة، اكتفى المسؤول بالقول إن «واشنطن تدرك أن دولة الكويت، كوسيط في النزاع، سلّمت لائحة مطالب إلى دولة قطر».

اتهمت أبو ظبي
الدوحة بتسريب اللائحة في مسعى إلى إفشال الوساطة



وكانت وثيقة مسرّبة قد أظهرت تسليم السعودية والإمارات الجانب القطري لائحة بثلاثة عشر مطلباً، أهمها «خفض التمثيل الدبلوماسي مع إيران»، و«قطع أي تعاون عسكري أو استخباراتي معها»، و«إغلاق القاعدة العسكرية التركية الجاري إنشاؤها»، و«إعلان قطر عن قطع علاقاتها مع كافة التنظيمات الإرهابية والطائفية والأيديولوجية... (الإخوان، داعش، القاعدة، حزب الله)»، و«قيام قطر بتسليم كافة العناصر الإرهابية المدرجة والعناصر المطلوبة لدى الدول الأربع وكذا العناصر الإرهابية المدرجة بالقوائم الأميركية والدولية المعلن عنها»، و«إيقاف... الجزيرة والقنوات التابعة لها»، و«تسليم كافة قواعد البيانات الخاصة بالمعارضين الذين قاموا بدعمهم». وأكد مسؤول من إحدى الدول المقاطِعة الأربع لـ«رويترز» أن تلك المطالب ستصبح «لاغية» إذا لم تمتثل قطر لها خلال عشرة أيام.
واتهم الوزير الإماراتي أنور قرقاش، من جانبه، قطر بتسريب لائحة المطالب، معتبراً أن «التسريب يسعى إلى إفشال الوساطة، في مراهقة تعودناها من الشقيق»، مضيفاً أنه «كان من الأعقل أن يتعامل مع مطالب ومشاغل جيرانه بجدية، دون ذلك فالطلاق واقع». وأشار، في سلسلة تغريدات على «تويتر»، إلى أن «الأزمة حقيقية، وتصرفات الشقيق وإدارته المرتبكة يمدها سجل من تقويض أمن المنطقة... ويبقى أن الوضوح أفضل لنا جميعاً»، متابعاً أن «الخيارات أمام الشقيق واضحة: هل يختار محيطه واستقراره وازدهاره؟ أم يختار السراب والازدواجية وعزلته عن محيطه؟ لعل الحل في افتراق الدروب؟». وزاد قرقاش أنه «لا يمكن القبول باستمرار دور الشقيق كحصان طروادة في محيطه الخليجي، ومصدر التمويل والمنصة الإعلامية والسياسية لأجندة التطرف، وعودته مشروطة».
وفي وقت متأخر من مساء الجمعة، أكد السفير الإماراتي في واشنطن، يوسف العتيبة، أن بلاده لن تتراجع في خلافها مع قطر ما لم تستجب الأخيرة لمطالب الرياض وأبو ظبي. وأعرب في تصريح إلى «رويترز» عن تطلعه إلى أن «تستجيب قطر بالتواصل بدلاً من أن تسرّب الوثائق وتحاول طرح ذلك للنقاش علناً»، جازماً بأنه إذا لم تتفاعل الدوحة مع تلك المطالب فإن «الأمور ستبقى كما هي». وفيما لم يصدر عن السعودية تصريح رسمي بشأن لائحة المطالب، التزم الجانب القطري الصمت، باستثناء بيان أصدرته شبكة «الجزيرة» اعتبرت فيه مساعي إغلاقها «محاولة لإسكات الإعلام الحر»، وإفادات أدلى بها قطريون لـ«رويترز»، وصفوا فيها المطالب بأنها «غير منطقية».
على المقلب التركي، رفض وزير الدفاع فكري إشيق مطلب إغلاق القاعدة في قطر، معتبراً أيّ دعوة إلى ذلك «تدخلاً في علاقات أنقرة مع الدوحة»، وملمّحاً إلى أن بلاده ستواصل تعزيز وجودها في قطر. وأكد أن «إعادة تقييم اتفاقية القاعدة مع قطر ليست مطروحة».
يُذكر أن دبلوماسياً أجنبياً قال لوكالة «فرانس برس»، في وقت سابق من هذا الأسبوع، إن الأزمة الخليجية «وصلت إلى طريق مسدود»، وإنها «لن تنتهي قريباً». ويوم أمس، نقلت «رويترز» عن محللين استراتيجيين وصفهم المطالب السعودية ــ الإماراتية بأنها «صارمة بدرجة تكاد تجعل حل هذا الصراع مستحيلاً في الوقت الحالي»، وتوقعاتهم بأن «يطول أمد الأزمة».




نفي «اعترافات» الحمادي

نفت قطر أمس صحة «الاعترافات» التي بثّتها وسائل إعلام إماراتية، ليل الخميس ــ الجمعة، لـ«ضابط مخابرات قطري»، قالت إنه أدلى بمعلومات عن تورط بلاده في «مؤامرة على السعودية والإمارات». واتهم مدير مكتب الاتصال الحكومي في قطر، سيف بن أحمد آل ثاني، الإمارات بانتزاع تلك الاعترافات «تحت التعذيب والإكراه». وأوضح أن «الاعتراف المسجّل للمواطن حمد علي محمد الحمادي تم أثناء احتجازه لدى جهاز أمن الدولة في الإمارات عام 2014»، مضيفاً أن «الحمادي كان قد سافر إلى الإمارات بصحبة مواطن قطري آخر، هو يوسف عبد الصمد الملا، في 30 يونيو 2014، بغرض السياحة». وأكد أن «السلطات في الإمارات كانت على علم بطبيعة وجهة عمل الحمادي، لذا قامت بالقبض عليه وصديقه... وتلفيق الاتهام لهما»، مشيراً إلى أن واقعة القبض على الرجلين «جاءت آنذاك ضمن الحملة التي تمت ضد قطر عام 2014».
ولفت آل ثاني إلى أنّه «تم تقديم الحمادي والملا للمحاكمة أمام محاكم أمن الدولة، التي لا تتوافر فيها الضمانات القانونية للمحاكمة العادلة».