كان لإدراج الدكتور عبد الوهاب الحميقاني في لائحة الإرهاب السعودية الأثر المباشر في الميدان اليمني، عبر الاحتجاجات التي قام بها أبناء قبيلته آل حميقان في محافظة البيضاء، فانهارت الجبهة التي كانوا يشغلونها في منطقة الزاهر بالكامل، وذلك بعدما كانت تلك الجبهة من الجبهات القوية والصلبة، ولم تكن في الأصل ضمن حسابات الجيش و«اللجان الشعبية».
لكن فجأة ومن دون مقدمات أو إنذارات مسبقة، اجتازتها أمس (الثلاثاء) قوات الجيش و«اللجان» وأصبحت على بعد مئات الأمتار من مناطق يافع جنوب اليمن. ولم يعد خافياً أن حامية الجبهة من قبيلة آل حميقان ردّوا على الإجراء السعودي تجاه زعيم قبيلتهم بما رأوا أنه يليق باتهامهم بالإرهاب، كذلك تجدر الاشارة إلى قرار الجيش اليمني و«اللجان» التوقف عند الحدود الشطرية لليمن الشمالي والجنوبي سابقاً، وتجنّب متابعة الهجمات إلا لضرورات دفاعية.
وكانت الأزمة الخليجية بين قطر وكلّ من السعودية والإمارات والبحرين، قد أرخت بظلالها على الوضع في اليمن، وتردّد صدى الصراع قوياً على المستويات كافة، السياسية والأمنية والميدانية، إضافة إلى التراشق الإعلامي الخارج عن حدود اللياقة بين الأطراف اليمنية المحسوبة على طرفي الأزمة. الإعلام والنخب التابعون للتحالف السعودي ــ الإماراتي لا ينفكون يكيلون التهم لحزب «الإصلاح» الإخواني، في محاولة لشيطنته وتحميله مسؤولية الإخفاقات العسكرية والأمنية والسياسية لدول التحالف، ويبدو واضحاً للمتابع أن القوى اليمنية، ولا سيما في الجنوب، تنطلق بحملتها الشعواء وفق الأجندة الإماراتية وتستخدم الأدبيات والتوصيفات نفسها. في المقابل، تحاول النخب الإخوانية المحسوبة على قطر التزام خط الدفاع عنها وتبرير موقفها، وإن كان لافتاً في الأيام القليلة الماضية ظهور أصوات إعلامية تابعة لـ«الإصلاح»، لكنها تبثّ من خارج الإقليم، تنتقد بشدة ممارسات التحالف وتضيء على تصرفاته المشينة بحق اليمنيين.
ولئن كان الصراع الخليجي قد بدأ يأخذ شكلاً حاداً في إعلام الأطراف اليمنية المحسوبة على طرفي الأزمة، قطر من جهة والسعودية والإمارات من جهة أخرى، فإن قيادة «الإصلاح» الإخوانية لا تزال تزاول مهماتها من الرياض، كذلك فإن الحزب لا يزال الشريك الرئيسي في حكومة عبد ربه منصور هادي.

يشغل الحميقاني
حالياً منصب الأمين العام لحزب «الرشاد» السلفي


إضافة إلى ذلك، وكما كان متوقعاً، تعمل الرياض على تحييد «الإخوان» في اليمن عن دائرة الضغط والتضييق عليهم، وحصر إلقاء اللوم أو التهم عليهم بالحد الأدنى، حتى لو اقتضى الأمر التباين مع تصنيفات لوائح الإرهاب الأميركية. وبالفعل، شملت اللوائح الخليجية للإرهاب اسما يمنياً واحداً هو الدكتور عبد الوهاب الحميقاني، رغم أن وزارة الخزانة الأميركية ضمّت ضمن قوائمها العديد من قيادات «الإصلاح»، وعلى رأسهم عضو شورى «الإخوان» في اليمن الشيخ خالد بن علي العرادة في العام الماضي، إضافة إلى أسماء يمنية محسوبة أو مموّلة لتنظيم «القاعدة».
تجدر الإشارة أيضاً إلى أن الحميقاني يشغل حالياً منصب الأمين العام لحزب «الرشاد» السلفي، وهو مستشار في حكومة هادي، وعمل سابقاً مفتياً في وزارة الأوقاف القطرية. وكانت وزارة الخزانة الأميركية قد أدرجت اسمه في كانون الأول 2013 على لائحة الإرهاب بتهمة دعم «القاعدة في الجزيرة العربية». لكن حكومة هادي رفضت تسليم الحميقاني لأميركا، ووجّهت رسالة استنكار للاتهام، معتبرة إياه عضواً في الحوار الوطني. وبعد العدوان تم تعيينه في لجنة المفاوضات لما يسمّى الشرعية، وقد شارك بفعالية في جلسات الحوار في الكويت.
لا شك في أن المقاربة السعودية ازدادت تعقيداً بوجود الأزمة مع قطر، وينظر المراقبون إلى أن إدراج اسم واحد أدى إلى سقوط جبهة بكاملها، فكيف إذا التزمت السعودية اللائحة الأميركية التي تحتوي العديد من الأسماء الكبيرة في «الإصلاح». يجزم هؤلاء بأن ثمن ذلك سيكون سقوط محافظة مأرب بكاملها والجزء المسيطر عليه عبر «الإخوان» في محافظة الجوف بيد حكومة صنعاء، مع الإشارة كذلك إلى أن محافظة مأرب غنية بالغاز الذي يستخرجه متنفذون تابعون لـ«الإصلاح» ويباع في السوق اليمنية، كذلك فإن المحافظة من «قلاع الإخوان» تاريخياً.
يضاف إلى ذلك انتقال حالة المساكنة والتخادم بين السعودية و«القاعدة» إلى مرحلة الترقب والحذر بين الطرفين، فقد كانت الأولوية لدى «القاعدة» منذ بداية العدوان على اليمن حصر الصراع مع «أنصار الله» والانصراف في المهمات العسكرية بما يفيد التحالف السعودي، لكن بعد زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب للرياض أصبحت «القاعدة» تتحسّس رأسها، وتخشى أن تشكل المصالح الأميركية ــ السعودية ــ الإماراتية في اليمن نقطة التقاء، وتكون هي كبش فداء تلك المصالح إذا ما تعذر استئصال «الإصلاح».